ليل العماية التي كان عليها يعذل أفضل من هذا الليل الكئيب المحيط به الآن.
سادس عشر: صفة الليل وخطابه ورمزيته وإحاؤه:
وليل كموج البحر أرخى سدوله ... علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه ... وأردف أعجازًا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي ... بصبح وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليلٍ كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل
وقد مهد لصفة الليل ما تقدم من قوله:«تضيء الظلام- البيت» كما قدمنا ذكره. وفي «أرخى سدوله» رجع صدى من صفة الخدر والغبيط إلا أنه ههنا غبيط من هموم وموج البحر هنا في صفة السيل من بعد مناظرةٌ له ومشابه منه في قوله:
فأضحى يسح الماء حول كتيفةٍ ... يكب على الأذقان دوح الكنهيل
وفي قوله:
كأن ذرا رأس المجيمر غدوة ... من السيل والغثاء فلكة مغزل
فهذا بحر طام- والبحر للماء الكثير سواءٌ أمان عذبًا أم ملحًا، قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ} وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
وفي قوله:
كأن السباع فيه غرقى عشيةً ... بأرجائه القصوى أنابيش عنصل