وانظر كيف جعل أضرار السيل بالسباع عشية كإرخاء الهموم مع الليل سدولها عليه وكيف اتساع السيل فهو بحرٌ له أرجاؤه القصوى.
وفي قوله:
والقى بصحراء الغبيط بعاعه ... نزول اليماني ذي العياب المحمل
فملأ صحراء الغبيط، وقيل سميت بالغبيط لشبهها بقتب البعير وهي في ديار بني يربوع من تميم. وفي بني تميم كان مبدأ نشأة امرئ القيس. وخبر يوم دارة جلجل من رواية الفرزدق وهو تميمي -وقد سبق قولنا إنه أسطوري ولنا رجعة إلى هذا إن شاء الله تعالى، لا نعني أن نفس اليوم أسطوري ولكن القصة التي رويت كما رويت.
وقوله «صحراء الغبيط» يدل أيضًا على موضع الذكرى حيث عقر الناقة ومال به الغبيط. وقد صار ما كان موضع أنسٍ قفارًا به بعر الآرام وطمي على ذكراه السيل. وقوله:«نزول اليماني ذي العياب» ويروي: «كصرع اليماني» أي سقوطه أو طرحه أمتعته- هذا له مشابه من شعره كقوله في البائية:
فرحنا كأنا من خؤاثي عشيةً ... نعالي النعاج بين عدلٍ ومحقب
فعلى هذا يجوز أن يكون البحر المذكور هنا في:«وليل كموج البحر» بحرًا ملحًا إذا كانت جؤاثي من أسواق البحرين، ولا شيء يمنع أن يكون المراد موج البحرين العذب والملح معًا. واليماني المذكور هو الوافد على السوق بعيابه بين عدلٍ ومحقب والمعاني مما تتداعى في الشعر ويرد بعضها على بعض.
وقوله:«لما تمطى بصلبه» فيه من صفة البعير ما لا يخفى وقد مر الحديث عنه. وقوله:«ألا أيها الليل الطويل ألا انجل» فيه رنة «وما إن أرى عنك الغواية