يجوز أن يكون الفرزدق اخترع أو زاد في خبر الفتيات الذي نسبه إلى نفسه حين فاجأهن يسبحن وجمع ملابسهن ليضطرهن أو يخرجن عاريات فيراهن عاريات وتمثل بيوم دارة جلجل وقص عليهن قصته في لونها الأسطوري، أنهن كلهن خرجن لما ضم امرؤ القيس ثيابهن إليه فرآهن عاريات.
خبر يوم دارة جلجل كما رواه امرؤ القيس لا كما روته الأسطورة التي سمعها الفرزدق فرواها. ولو أن امرأ القيس كان قد رأى عنيزة عارية عند الغدير لكان له في ذلك شعر ولتغنى به. نظرة إليها لدى الستر إلا لبسة المتفضل جعلته يتغنى بما هو منها مخصر كالجديل وبما هو كأنبوب السقي المذلل وقنو النخلة المتعثكل ومصقولات كالسجنجل وكذلك نظرة إليها في اسبكرارها وحواره معها إذ مال بهما الغبيط.
لم ير امرؤ القيس العذارى عاريات يوم دارة جلجل. ولكنه رأى عذارى الدوار وما ندري كيف كان كساء التي كن يطفن بها ووصفها في قوله:
وبيت عذارى يوم دجنٍ ولجته ... يطفن بجباء المرافق مكسال
ولكن الطائفات عليهن الملاء المذيل. وقوله «بجباء المرافق» كان فيه معنى من معاني تماثيل الحسناء المقطوعة الذراع عند العضد -هكذا كانت بعض تماثيل أفروديت اليونانية- (فينوس عند الروم وهي الزهرة وأناهيد وعشتروت عند العرب وفارس وكنعان على التتالي ومثلها العزى عند قريش).
عرى العذارى في خبر دارة جلجل أسطوري لم يخترعه الفرزدق ولكن رواه وروى عنه كما قدمنا. أسطوري كقصة ملابس الريش ولا نباعد إن زعمنا أن بعض هذا المعنى الأسطوري نلمحه في خبر الرميكية والمعتمد. والطين المسكي أنه ينظر إلى الطين الذي لطخت به الفتيات الفرزدق واختراع الفرزدق -في خبر يرويه عن نفسه- لا يقدح في رواية ما يخبر به عن رواية قديمة لم يكن غيره من معاصريه أو من