هم أسن منه بها حقًّا جاهلين. كان الفرزدق فيما ذكروا معنا مفنًّا. فاجعل هذا من باب اعتنانه وافتنانه. ولو قد كان لخبره مع فتيات الطين أدنى نفسٍ من أصل لكان لجرير فيه مجال ومنطق قذع من قرى قوله:
تدليت تزني من ثمانين قامة ... وقصرت عن باع العلى والمكارم
وكقوله:
بسيف أبي رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم
وكقوله يذكر هربه من زياد:
خرجت من العراق وأنت رجس ... تلبس في الظلام ثياب غول
وما يخفى عليك شراب حدٍّ ... ولا ورهاء غائبة الحليل
إذا دخل المدينة فارجموه ... ولا تدنوه من جدث الرسول
وذكر الفرزدق قصته ضلال العنبري ومصافنة الماء وقد أشرنا إلى ذلك في معرض الحديث عن البحر الطويل، فعيره جرير قائلًا:
ولو كنت ذا رأي لما لمت عاصمًا ... وما كان كفؤًا ما لقيت من الفضل
ولما دعوت العنبري ببلدةٍ ... إلى غير ماءٍ لا قريب ولا أهل
ضللت ضلال السامري وقومه ... دعاهم فظلوا عاكفين على عجل
وجرير كثير الاستشهاد والإشارة إلى الآي. وكذلك يفعل الفرزدق كثيرًا إلا أنه لم يجمع القرآن كجمع جرير، بآية ما رووه أنه قيد نفسه ليحفظ القرآن، ثم نزع القيد ليفرغ إلى الهجاء، واستفزه قول جرير:
ولما اتقى القين العراقي باسته ... فرغت إلى القين المقيد في الحجل