إن للقصيدة بنية من أصوات وأنغام ومعان كالأنغام في تجاوبها وتوارد أطيافها وأصدائها حينًا بعد حين.
وكان يصاحب جميع هذا من أمر القصيدة أنه كان يتغنى بها الركبان. فكان الراوي كما يروي الألفاظ يروي نغم التغني وذلك يعينه على تثبيت رواية الحفظ. وقد ذكر أبو الحسن سعيد بن مسعدة في تفسير القصيد إنه كان الذي يتغنى به الركبان من بحور الشعر المحكمات وقد ذكر بعض المتفق عليه والمختلف فيه من هذه البحور كالطويل التام والبسيط التام والمديد التام والوافر التام والكامل التام والرجز التام وذكر بعضهم الخفيف ولعمري إنه لأحرى أن يذكر من الرجز التام لأن أكثره المشطور وإنما رويت من التام أبيات، غير أنه يجوز أن المروي منه قد كان كثيرًا، ولم يذكروا شيئًا من المديد التام وإنما ذكروا المجزوء كقول المهلهل:
يا لبكر أنشروا لي كليبًا ... يا لبكر أين أين الفرار
فعل هذا هو المراد.
وقال سلامة بن جندل (فيما نسب إليه):
دع ذا وقل لبني سعد لفضلهم ... مدحًا يسير به غادي الأراكيب
وقال المسيب بن علس:
فلأبعثن مع الرياح قصيدة ... مني مغلغلة إلى القعقاع
ترد المياه فلا تزال غريبةً ... في القوم بين تمثلٍ وسماع
وقد كانت لقرى العرب، ولا سيما الحجازية منها ومكة والمدينة خاصة، معرفة بالغناء منذ لجاهلية، يشهد بذلك خبر النابغة في قصة الإقواء وخبر شراب عروة بن الورد وسماعه عند بني النضير وجواري المدينة حين استقبلن الرسول عليه الصلاة والسلام بغنائهن: