الفصل لامرئ القيس في أجود أشعاره، وما نبين لك من عواره على التفصيل، وذلك قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها ... لما نسجتها من جنوب وشمال
الذين يتعصبون له ويدعون محاسن الشعر يقولون هذا من البديع لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى، وذكر العهد والمنزل والحبيب، وتوجع واسترجع، كله في بيت ونحو ذلك. وإنما بينا هذا لئلا يقع لك ذهابنا عن موضع المحاسن، إن كانت ولا غفلتنا عن مواضع الصناعة إن وجدت. تأمل، أرشدك الله، وانظر، هداك الله، أنت تعلم أنه ليس في البيتين شيء قد سبق في ميدانه شاعرًا، ولا تقدم به صانعًا وفي لفظه ومعناه خلل، فأول ذلك أنه استوقف من يبكي، لذكر الحبيب، وذكراه لا تقتضي بكاء الخلي، وإنما يصح طلب الإسعاد في مثل هذا على أن يبكي لبكائه ويرق لصديقه في شدة برحائه فإما أن يبكي على حبيب صديقه وعشيق رفيقه فأمرٌ محال. فإن كان المطلوب وقوفه وبكاؤه أيضًا عاشقًا صح الكلام من وجه وفسد المعنى من وجه آخر؛ لأنه من السخف أن لا يغار على حبيبه، وأن يدعو غيره إلى التغازل عليه والتواجد معه فيه ثم في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواضع وتسمية هذه الأماكن من الدخول وحومل وتوضح والمقراة وسقط اللوى وقد كان يكفيه أن يذكر في التعريف بعض هذا وهذا التطويل إذا لم يفد كان ضربًا من العي، ثم إن قوله لم يعف رسمها، ذكر الأصمعي من محاسنه أنه باق فنحن نحزن على مشاهدته فلو عفا لاسترحنا وهذا بأن يكون من مساويه أولى لأنه إذا كان صادق الود فلا يزيده عفاء الرسوم، إلا جدة عهد وشدة وجد وإنما فزع الأصمعي إلى إفادته هذه الفائدة خشية ان يعاب عليه فيقال أي فائدة لأن يعرفنا أنه لم يعف رسم منازل حبيبة وأي معنى لهذا الحشو فذكر ما يمكن أن يذكر ولكن لم يخلصه بانتصاره له من الخلل ثم في هذه