خارج عن غرض كتابنا ومجانب لمقصوده، وإنما أردنا أن نبين الجملة التي بيناها لتعرف أن طريقة الشعر شريعة مورودة ومنزلة مشهودة يأخذ منها أصحابها على مقادير أسبابهم ويتناول منها ذووها على حسب أحوالهم. وأنت تجد للمتقدم معنى قد طمسه المتأخر بما أبر عليه فيه وتجد للمتأخر معنى قد أغفله المتقدم وتجد معنى قد توافد عليه وتوافيا إليه فهما فيه شريكا عنان وكأنهما فيه رضيعا لبان والله يؤتي فضله من يشاء فإما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه فإن العقول تتيه في جهته وتحار في بحره وتضل دون وصفه.
ونحن نذكر لك في تفصيل هنا ما تستدل به على الغرض إلخ. أ. هـ».
ونقول لله در أبي الطيب حيث قال:
وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ... ويجهد أن يأتي لها بضريب
فزعم الباقلاني أن تشبيه الشحم بالدمقس من كلام العامة جدلٌ ومكابرة إذ كلام امرئ القيس أصل ثم شاع التشبيه ولا يعيب قوله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ}، أن العوام تتمثل به ولا نقول مع أبي الطيب في ابن الباقلاني:
وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
فالشواهد على فهم ابن الباقلاني لا تخفى، ولذلك ما لقبه خصمه بالشيطان (راجع مقدمة الأستاذ صقر ص ٧٤) ووصف محقق الإعجاز نقده لامرئ القيس والبحتري بالروعة والبراعة لولا ما كدره وشأنه من التحامل. لا جرم كان ابن الباقلاني من أئمة الكلام والجدل ومع ذلك فرط المراء والسفسطة، ووصفه بالتحامل والتجني فيه إغضاء عن باطله مما يقدح في حاق الأمانة الفكرية. ولقد كان الجاحظ ممن فتقوا للناس أكمام علم الكلام، ووضعوا لأهل الأدب والكتابة النموذج الذي يحتذى وتكلموا في الإعجاز بما صار هو المذهب والصراط لأهل علم