للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلاغة ودراسات الإعجاز من بعدهم، وما ورد من كلامه في هذا المضمار من كتابه الحيوان وحده شاف وهو قطرة من بحر كتابه في النظم القرآني (الذي لم يصلنا حتى الآن) وإن الباقلاني قد أخذ منه الخلاصة والزبدة التي رتب عليها كتابه، ومع ذلك لم يتورع هو أن يقول في أوائل كتابه بعدما جزم بتقصير من تكلموا عن معاني القرآن من أجل إهمالهم بيان أمر معجزته، عن الجاحظ، ولم يعترف له بفضيلة في هذا المضمار «وقد صنف الجاحظ في نظم القرآن كتابًا لم يزد فيه على ما قاله المتكلمون ولم يكشف عما يلتبس في أكثر هذا المعنى» فنقض ما قدمه من أن المتكلمين لم يهتموا بهذا الباب حيث نسب إلى الجاحظ أنه لم يعد ما قالوه، ولقد نعلم، فيما نقل إلينا من الأخبار أن كتاب نظم القرآن للجاحظ قد سئلت عنه الأفواج في موسم الحج بمكة لشدة الحرص ممن سأل على اقتنائه. ثم قال عن الجاحظ وهو إمام الأدب والبليغ الذي لا يجاري (ص ٢٤٧): «وكذلك قد يزعم زاعمون أن كلام الجاحظ من السمت الذي لا يؤخذ فيه والباب الذي لا يذهب عنه، وأنت تجد قومًا يرون كلامه قريبًا. ومنهاجه معيبًا ونطاق قوله ضيقًا حتى يستعين بكلام غيره ويفزع إلى ما يوشح به كلامه من بيت سائر ومثل نادر وحكمة ممهدة منقولة وقصة عجيبة مأثورة وأما كلامه في أثناء ذلك فسطور قليلة وألفاظه يسيرة، فإذا أحوج إلى تطويل الكلام خاليًّا من شيء يستعين به، فيخلط بقوله من قول غيره، كان كلامًا ككلام غيره، فإن أردت أن تحقق هذا فانظر في كتبه في نظم القرآن وفي الرد على النصارى وفي خبر الواحد وغير ذلك مما يجري هذا المجرى، هل تجد في ذلك كله ورقة واحدة تشتمل على نظم بديع أو كلام مليح. على أن متأخري الكتاب قد نازعوه في طريقته وجاذبوه على منهجه فمنهم من ساواه حين ساماه ومنهم من أبر عليه إذ باراه. هذا أبو الفضل ابن العميد قد سلك مسلكه وأخذ طريقه فلم يقصر عنه ولعله قد بان تقدمه عليه لأنه يأخذ في الرسالة الطويلة فيستوفيها على حدود مذهبه ويكملها على شروط صنعته ولا يقتصر على أن يأتي

<<  <  ج: ص:  >  >>