بالأسطر من نحو كلامه كما ترى الجاحظ يفعله في كتبه، متى ذكر سطرًا، أتبعه من كلام الناس أوراقًا، وإذا ذكر منه صفحة بنى عليه من قول غيره كتابًا» أ. هـ. وقد كان ابن العميد في زمانه وزيرًا لآل بويه كملك، يمدح ويرجى ويتقى ويتملقه المعاشر ويتملقون ابنه ومن إليه، من هؤلاء المتملقين بلا ريب أبو بكر بن الباقلاني، وقد قال القائلون، أغلب الظن قبل ذلك في زمان ابن العميد نفسه:«بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد» وقد بقى ذكر كلا هذين على الزمن ضامرًا ضئيلًا، على ما لا ينكر من فضيلة عبد الحميد وسبقه وتمهيده السبل لمن بعده، وذكر الجاحظ يربو ويزداد منذ أول عهده في القرن الثاني من الهجرة إلى الآن، ولم يكن ملكًا ولا وزيرًا لملك ولا وزيرًا لوزير ملك، ولو لم يبق من تصانيفه إلا صفحات من بخلائه لدل ذلك على تبريزه فكيف وما بقي من آثاره بحمد الله مقدار عظيم. ومما يدلك على أن ابن العميد قد كان في زمانه ملكًا أو كملك قول أبي الطيب:
عند من لا يقاس كسرى أنو شر ... وإن ملكًا به ولا أولاده
عربي لسانه فلسفي ... رأيه فارسية أعياده
وعلى ذكر أبي الطيب فإن ابن الباقلاني يعيب على الجاحظ ما زعمه من استعانته بكلام غيره، وكان الجاحظ متى صنع ذلك نص على أنه كلام غيره ولم ينتحله لنفسه كالذي صنع ابن الباقلاني حيث قال:«لتعرف أن طريقة الشعر شريعة مورودة ومنزلة مشهودة يأخذ أصحابها على مقادير أسبابهم ويتناول منها ذووها على حسب أحوالهم» فهذا هو قول أبي الطيب:
وكم من عائب قولًا صحيحًا ... وآفته من الفهم السقيم
ولكن تأخذ الألباب منه ... على قدر القرائح والفهوم
وتأمل قوله «فهما شريكا عنان وكأنهما فيه رضيعا لبان» - فهذا من قول