الأعشى «رضيعا لبان ثدي أم البيت» فهل هذا يصح أن يجعل مطعنًا على الأعشى كما جعل هو قول العامة شحم كالدمقس مطعنًا على امرئ القيس، واحتاج ابن الباقلاني إلى الجاحظ في بعض مساق حججه فقال:«وذكر الجاحظ في البيان والتبيين أن الفارسي سئل فقيل له ما البلاغة؟ فقال معرفة الفصل من الوصل، وسئل اليوناني عنها فقال تصحيح الأقسام إلى آخر ما ساقه من كلامه»(ص ١٢٦ - ١٢٧) وكأنه احترس بجعل هذا رواية من الجاحظ لأقوال غيره عما قدمه في أول كتابه من قلة الاكتراث به وفي آخره من الإزراء بقدره ونسبة الجودة عنده إلى ما يستشهد به. فتأمل، ولعمرك إن فرط الإعجاب بالمراء لمن باب الغرور وبعض سقم الفهم الذي عابه أبو الطيب. ولقد قال ابن الباقلاني في احتجاجه لقوة ما أخذ به من أمر الدفاع عن إعجاز القرآن (ص ١٢٥): «ولكل عملٍ رجال، ولكل صنعة ناس، وفي كل فرقة الجاهل والعالم والمتوسط، ولكن قد قل من يميز هذا الفن خاصة؛ لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر العهد والمنزل والحبيب وتوجع واسترجع كله في بيت ونحو ذلك وإنما بينا ذلك لئلا يقع لك ذهابنا عن موقع المحاسن إلخ» فلئن كان حقًّا ذا علم بموضع المحاسن إذا لأعرض عما قاله من بعد ولو على سبيل إلا يناقض نفسه. ولم يختلف علماء الشعر أن هذا البيت من المطالع الحسنة. قال ابن رشيق ملخصًا لآراء الأوائل وكان ابن الباقلاني بذلك له علم وعنده منه نبأ -أعني كلام الأوائل لا كلام ابن رشيق فهو بعد زمانه كما لا يخفى وإنما يستشهد به لشموله ووفائه بالغرض (ص ٢١٨ من العمدة تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد رحمه الله، الطبعة الرابعة، بيروت ١٩٧٧): «فقد اختار الناس كثيرًا من الابتداءات أذكر منها ههنا ما أمكن ليستدل به نحو قول امرئ القيس قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل وهو عندهم أفضل ابتداء صنعه شاعر لأنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب