والمنزل في مصراع واحد. أ. هـ.». والدعاوي التي ادعاها أبو بكر باطلة «فقفا» هنا يجوز أن يكون عني بها نفسه وسامع شعره المتوهم ويجوز أن يكون عني نفسه وحبيبه ليبكيا هما معًا على ذكر الهوى المتصرم والمنزل الذي بان ويجوز أن يكون عني نفسه لا سواها وإذ خاطب نفسه فقد جرد منها شخصًا آخر فصارا شخصين ويقوي هذا قوله من بعد: «وقوفًا بها صحبي» فقد جعله أبو بكر متصلًا بقفا مفعولًا مطلقًا، ليس الأمر كذلك بدليل أن ههنا خطابًا لاثنين على زعمه فكيف صاروا جماعة في قوله «صحبي» وإنما هو كلام منقطع مما قبله في سياق النحو متصل في المعنى وهو من كلامهم، قال طرفة:
وقوفًا بها صحبي على مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد
أي اذكر عهد إذ صحبي بها وقوف، وليس بعيدًا ههنا أن تجعل في باب النحو وقوفًا بمعنى وقفوا وقوفًا- فتكون صحبي فاعلًا لمعنى الفعل المتضمن في «وقوفًا» وعلى قريب من هذا الوجه أعربوا بيت الفرزدق:
على حلفة لا أشتم الدهر مسلما ... ولا خارجًا من في زور كلام
أي لا يخرج من في زور كلام. ويجوز أن يكون قوله قفا نبك أي أنا أقف من ذكرى الحبيب وأنت تقف من ذكرى الديار- اتساع معنى هذا البيت هو الذي يجعله شعرًا من النسق العالي. وقول أبي بكر «ثم في البيتين ما لا يفيد من ذكر هذه المواقع» بعد أن أثبت أن ذكر الديار من المحاسن وأن ذلك كان للعرب مذهبًا ينبغي أن يحمل على المغالطة والتناقض وإما على الشعوبية، وعسى أن يكون لهذا المطعن في أبي بكر وجه وقد قال به التوحيدي في كتاب الإعجاز ما يقويه، كأنه يطعن على العرب من طرف خفي، وقد رأيت حين استشهد بكلام من كلام الجاحظ صدره بتقديم آراء الفرس في البلاغة وذلك قوله الذي قدمنا ذكره حيث قال «وذكر الجاحظ في البيان والتبيين إن سئل فقيل له ما البلاغة فقال معرفة الفصل من