الوصل» وقد كان أبو بكر يخدم عضد الدولة الأمير البويهي ممدوح أبي الطيب وكان عضد الدولة شيعيًّا واستقدم في ما ذكروا أبي بكر لكي لا يكون مجلسه خاليًّا من أهل السنة (راجع مقدمة السيد صقر ٢٢ - ٢٣) فقدم عليه مخالفًا في ذلك شيخه وطاعنًا من طرف خفي على ابن حنبل ورجالات عصره الذين تحرجوا عن خدمة المأمون لاعتزاله- وهذا من مذهب الانتهاز معروف فتأمل. ولعل طعن ابن الباقلاني على الجاحظ من باب التقرب إلى الشعوبية لأن الجاحظ قد قارع الشعوبية وسخر منهم.
ومن عجيب مطعن ابن الباقلاني على امرئ القيس إنكاره تأنيث لما نسجتها وإنما تعلم أبو بكر النحو من النحاة وهؤلاء تعلموه من شعر امرئ القيس وكلام الأوائل وشواهد القرآن- وقد مر قوله «لم يعف رسمها» فقوله «لما نسجتها» به أشبه وله أوفق. ولو قال «لما نسجها» لكان في مكان يصلح له ذلك وجهه ولا معنى لتحجير الواسع مع الذي قدمنا ذكره من أن التأنيث ههنا أوجه وأصوب. وفي كتاب الله:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ} والتذكير هنا أقوى من التأنيث ومن سار على ظاهر كلام أبي بكر أوجب التأنيث ههنا. والتعدي على الأصول بالفروع جهل وفساد في الرأي. وما صح أنه عربي قديم فهو أصلي وشاهد ويبنى عليه ويقاس- وقس على ذلك كل ما زعمه أبو بكر خطأ في النحو أو العروض من منهج امرئ القيس ولله در المعري حيث قال في رسالة الغفران (ص ٣١٥ - ٣١٧): «فأخبرني عن كلمتك الصادية والضادية والنونية التي أولها:
لمن طلل أبصرته فشجاني ... كخط زبور في عسيب يمان
لقد جئت فيها بأشياء ينكرها السمع كقولك:
فإن أمس مكروبًا فيا رب غارة ... شهدت على أقب رخو اللبان