فكأنهم استخفوا الرجز في الحداء، ثم في الأغراض التي تشبهه وأرادوا أن يقرنوه بأخ له أثقل وأرزن حركة منه، فكان ذلك مشطور السريع (وقد سبق أن تكلمنا عنه في باب المنسرح القصير)، ثم غيروا وبدلوا في هذا المشطور ليلائموا به القصير فجاء منه السريع الأول، وجاء يحمل من طابع الثقل قريبًا مما يحمله المشطور خذ كلمة عوف بن محلم الشيباني:
يا بن الذي دان له المشرقان ... وألبس الأمن به المغربان
إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وأبدلتني بالشطاط الحنا ... وكنت كالصعده تحت السنان
وقاربت منى خطا لم تكن ... مقاربات وثنت من عنان
وجعلت بيني وبين الورى ... عنانة من غير نسج العنان
ولم تدع في لمستمتع ... إلا لساني وبحسبي لسان
أدعو به الله وأثني به ... على الأمير المصعبي الهجان
فقرباني بأبي أنتما ... من وطني قبل اصفرار البنان
وقبل منعاي إلى نسوة ... أوطانها حران والرقتان
سقي قصور الشاذياخ الحيا ... من بعد عهدي وقصور الميان
فكم وكم لي عندها دعوة ... أن تتخطاها صروف الزمان
ألا تحس أن حركة الوزن في هذه الأبيات تمثل شيخًا هرمًا همًا باليًا يهدج في مشيته، ويشتكي من أحوال الزمان، وهب عوف بن محلم جاء بهذه الأبيات في المتقارب لا السريع، ونظمها على طراز قول الأعشى:
فان الحوادث ضعضعنني ... وإن الذي تعلمين استعيرا
إذا كان هادي الفتى في البلا ... د صدر القناة أطاع الأميرا
وخاف العثار إذا ما مشى ... وخال السهولة وعثًا وعورا