للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المدح. ومنهم من يسبق في التقريظ دون التأبين ومنهم من يجود في التأبين دون التقريظ. ومنهم من يغرب في وصف الإبل أو الخيل أو سير الليل أو وصف الحرب أو وصف الروض أو وصف الخمر أو الغزل أو غير ذلك مما يشتمل عليه الشعر ويتناوله الكلام، ولذلك ضرب المثل بامرئ القيس إذا ركب والنابغة إذا رهب وزهير إذا رغب، ومثل ذلك يختلف في الخطب والرسائل وسائر أجناس الكلام. ومتى تأملت شعر الشاعر البليغ، رأيت التفاوت في شعره على حسب الأحوال التي يتصرف فيها، فيأتي بالغاية في البراعة في معنى، فإذا جاء إلى غيره قصر عنه، ووقف دونه، وبان الاختلاف على شعره، ولذلك ضرب المثل بالذين سميتهم؛ لأنه لا خلاف في تقدمهم في صنعة الشعر ولا شك في تبريزهم في مذهب النظم. فإذا كان الاختلال يتأتى في شعرهم لاختلاف ما يتصرفون فيه، استغنينا عن ذكر من هو دونهم. وكذلك يستغنى به عن تفصيل نحو هذا في الخطب والرسائل ونحوها. ثم نجد من الشعراء من يجود في الرجز ولا يمكنه نظم القصيد أصلًا، ومنهم من ينظم القصيد ولكن يقصر تقصيرًا عجيبًا ويقع ذلك من رجزه موقعًا بعيدًا، ومنهم من يبلغ في القصيد الرتبة العالية ولا ينظم الرجز أو يقصر فيه مهما تكلفه أو تعلمه. ومن الناس من يجود في الكلام المرسل فإذا أتى بالموزون قصر ونقص نقصانًا بينًا ومنهم من يوجد بضد ذلك. وقد تأملنا نظم القرآن فوجدنا جميع ما يتصرف فيه من الوجوه التي قدمنا ذكرها على حدٍ واحد في حسن النظم وبديع التأليف والوصف، لا تفاوت فيه، ولا انحطاط عن المنزلة العليا ولا إسفاف فيه إلى الرتبة الدنيا. وكذلك قد تأملنا ما يتصرف إليه وجوه الخطاب من الآيات الطويلة والقصيرة، فرأينا الإعجاز في جميعها على حدٍ واحد لا يختلف. وكذلك قد يتفاوت كلام الناس عند إعادة ذكر القصة الواحدة تفاوتًا بينًا ويختلف اختلافًا كبيرًا، ونظرنا القرآن فيما يعاد ذكره من القصة الواحدة فرأيناها غير مختلف ولا متفاوت بل هو على نهاية

<<  <  ج: ص:  >  >>