من القصة الواحدة فرأيناه غير مختلف ولا متفاوت بل هو على نهاية البلاغة وغاية البراعة فعلمنا بذلك أنه مما لا يقدر عليه البشر لأن الذي يقدرون عليه قد بينا فيه التفاوت الكثير عند التكرار وعند تباين الوجوه واختلاف الأسباب التي يتضمن»: هذا أصله من قول البحتري:
مشرق في جوانب السمع ما يخلقه عوده على المستعيد
وقد غلا البحتري في صفته بلاغة ابن الزيات غير أنه احترس بأن جعل رسائله، وهي التي يصف فاقدة لنظام الشعر ولو وجدته لهجنت شعر الفحول:
ومعان لو ضمنتها القوافي ... هجنت شعر جرول ولبيد
فكأنه دل بهذا أن بلاغتها دون بلاغة الشعر -واكتفى بجعلها في باب الرسائل قمة أو كقمة:
لتفننت في الكتابة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد
أبيات البحتري فيها بعد -إلا هذا الذي احترس به من تفضيل الشعر من طرفٍ خفي- نعتٌ لما يكون من أعلى ذرا البلاغة ولذلك اعتمدها ابن الباقلاني وولد منها ما ولد من حجج في معاني الإعجاز -على أنه حرصًا على إخفائه الانتفاع بها والأخذ منها -والله أعلم- حذف مما استشهد به منها البيتين اللذين اعتمد عليهما أكبر الاعتماد وهما:
مشرق في جوانب السمع ما يخلقه عوده على المستعيد
حجج تخرس الألد بألفاظ فرادى كالجوهر المعدود
اللهم إلا أن يكون سقوطهما من كتابه من زلل النساخ وسهوهم.
قول ابن الباقلاني بإعجاز النظم يعارض به كما لا يخفى قول المعتزلة بالصرفة. وقوله بعدم التفاوت الذي جعله جزءًا من قوله بإعجاز النظم مولد من فكرة الخلق إذ مع اعتقاده أن كلام الله هو القديم المنزل وليس بمخلوق، قد قال كما