مر بك من قوله:«لسنا نقول بأن الحروف قديمة». وما ليس بقديم فهو محدث مخلوق. وكما ليس في خلق السبع الطباق تفاوت {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} - كذلك ليس في حروف القرآن وائتلافها في كلم ونسق ونظامٍ من تفاوت. صلة هذا بقول المعتزلة لا تخفى على نفور ابن الباقلاني من هذا الأصل.
هذا وحجة ابن الباقلاني هي بعينها حجة كلردج حيث ذكر أنه أيما معنى ننوط بدلالة كلمة الشعر فإنها تتضمن بالضرورة أن المنظومة لا تكون كلها شعرًا ولا يجوز لها ذلك. ذلك بأن الشعر Poetry خلق وإبداع عنده. وأن أصله من محاكاة «أنا» المتناهية البشرية بواسطة الخيال الثاني لعمل الخيال الأول، وهذا بدوره تحاكي «أنا» البشرية المتناهية فيه «أنا» اللامتناهية القدسية التي في قول يسوع «قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن». الخيال الأول، كما تقدم، يتم به وعي المدركات من طريق امتداد الذات إليها بالترتيب والنظام التلقائي، والخيال الثاني يجدد خلق ما وعاه إلى تكرار عمل الخيال الأول، عمدًا إراديًّا يذيب به ويبث ويبدد لكي يخلق من جديد. جلي من هذا أن الخيالين الأول والثاني بحكم تناهيهما البشري الذي لن يبلغا مدى اللامتناهي. هذا ما نزعم أنه يشبه حجة التفاوت وعدم التفاوت بسبب دخول العامل الديني الذي يتجاوز كل حد ويرتفع عن كل عجز، وهو أن يكون الفعل منسوبًا إلى الخالق الأزلي القديم، إلى الله سبحانه وتعالى إذ أنزل الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم في قولنا- وإلى يسوع والكلمة في قول النصارى لغلوهم في قدسية المسيح على نحو ننكره كما هو معلوم.
حجة كلردج في سنخها دينية وكان كلردج في أعماقه داعية دينيًّا. قال من رسالة كنب بها وأوردها ألان غرانت Allan Grant في ص ٣٣ من كتابه A preface to Coleridge, Longmans, London ١٩٧٢ - ٧٧ ما معناه على وجه التقريب «أحيانًا