والإخلاص إنما يروم ذلك، الإخلاص انبعاث عن اعتقاد، والصدق حكم على الأمر أهو كذا أم ليس كذا. واستعمال اللغة قد يضع الصدق موضع الإخلاص أو معه، وقد يشرب هذا من معنى هذا.
هذا ومن المعاني الملابسة لأغراض الشعر حتى لقد توشك أن تكون جزءًا منها ما يصاحبه من قصد الترنم والغناء. وقد مر الحديث عن أمر الوزن والإيقاع والجرس والموسيقا. ونخص في هذا الموضع أن يكون الترنم والإيقاع الشعري مرادًا به الإمتاع واللذة.
عند الفلاسفة، على رأسهم أرسطو، إن الشعر يراد به اللذة؛ لأنه محاكاة ولأنه وسيلة للتعلم. والراجح أن مراد أرسطو بالمحاكاة طريقة شعراء اليونان في القصص والمسرح فأمر المحاكاة في هذين البابين واضح.
وليس كذلك الأمر في أشعار العربية وراجع التمهيد الذي مهدنا به في أول هذا الجزء. على أن الشاعر العربي ربما عمد إلى أن يفرح سامعه إفراحًا، كقول تأبط شرا:
وإني لمهدٍ من ثنائي فقاصدٌ ... به لابن عم الصدق شمس بن مالك
اهز به في ندوة الحي عطفه ... كما هز عطفي بالهجان الأوارك
وكقول ربيعة بن مقروم في داليته «بانت سعاد فأمسى القلب معمودًا» من المفضليات:
هذا ثنائي بما أوليت من حسن ... لا زلت عوض قرير العين محسودًا
فالقصد إلى المسرة هنا متضمن. وكقول المسيب بن علس:
فلأهدين مع الرياح قصيدةً ... مني مغلغلةٍ إلى القعقاع
ترد المياه فلا تزال غريبةً ... في القوم بين تمثل وسماع