للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لا تكون الطبقية في المجتمعات البشرية على حالٍ واحدة، ولكن تختلف مع اختلاف أنواع العرف والتقاليد الموزونة والعادات. الهنود مثلًا لهم نظام من الطبقات كأنه ثابت أعلاه البراهمة وأسفلها المنبوذون. ونسأل بعد لماذا يرى القائلون بوجود «الطبقية» في المجتمع الجاهلي أنها كانت على ضرب مشابه لما كانت عليه الطبقات في أوروبا؟ لماذا لا يقولون بأنها كانت كطبقات الهنود؟ وقد نجد للهنود ذكرًا في شعر العرب الأقدمين- قال التغلبي:

لكيز لها البحران والسيف كله ... وإن يأتها بأسٌ من الهند كارب

تطاير عن إعجاز حوشٍ كأنها ... جهامٌ أراق ماءه فهو آئب

لكن عصرنا هذا عصر الدولة الأوروبية والغلبة الفرنجية الصقلية. لذلك النظر إلى أوروبا يمتد والتشبيه بأحوالها يحب لأن المغلوب كلف بمحاكاة الغالب. عندي إذ لا يستقيم حمل نظام الطبقات الهندوسية حملًا على المجتمع العربي الجاهلي حتى نحلله على طريقة نظامها وتكوينها، كذلك لا يستقيم حمل نظام طبقات المجتمع الأوروبي على المجتمع العربي الجاهلي فنحلل هذا على طريقة تكوين ذلك ونظامه، فكلاهما مجتمع مختلف. علينا أن نتقبل أوضاع المجتمع الجاهلي كما وصفها الجاهليون أنفسهم. لقد كان سادتهم وصعاليكهم لا يتمايزون في كثير من مادة العيش. الصعلوك قد يعنى به الفقير، أو الذي يضرب في الأرض يلتمس الرزق بالغارة والبسالة. قال أبو النشناش من شعراء الحماسة:

ومن يسأل الصعلوك أين مذاهبه

وكان عروة بن الورد من سادة عبس وكان يصحب الصعاليك ويغير بهم وقد ذكرنا من خبره في هذا الباب. وكان فيما وصف به الصعاليك قوله:

لحي الله صعلوكًا إذا جن ليله ... مصافي المشاش آلفًا كل مجزر

يعين نساء الحي ما يستعنه ... ويمسي طليحًا كالبعير المحسر

<<  <  ج: ص:  >  >>