وهو لا يكتب إلا نثرًا وأن يكون ناثرًا وهو لا يكتب إلا شعرًا أعني نظمًا كما هي الحال انباذ قليس إلخ» - والعجب لقوله مقفى فإن يونان لم تكن تعرف القوافي. ثم لم يجز أرسطو طاليس أن يقال لشيء شعر وهو غير موزون وهو نثر كما علق صاحب الهامش ولكن قوله (إذا خلط بين الأوزان) وذلك أن إشعار يونان كان لكل ضرب منها مخالطة لوزن خاص بها فالذي نبه أرسطو طاليس عليه هنا هو ليس غياب الوزن ولكن اختلاط أنواعه وشرحه الذي فيه قوله: «وهي رابسودية مؤلفة من أوزان شتى» يدل على ذلك. ثم قضية المحاكاة التي يذكرها أرسطو طاليس من أصول الضرب الخيالي الذي يهم هو أن يخص به الشعر وفي هذا تأثر من جانبه بأفلاطون، على ما عمد إليه من بعد من الاعتذار لهذه المحاكاة الخيالية بنظريته عن الواقعي والمحتمل ولم يخل الدكتور بدوي من إقحام بعض قضايا العصر وحملها على أرسطو في هذا المكان وهو من ذلك براء، وقد شكا من أن لغة يونان خالية من لفظ يستطاع به نعت فن المحاكاة باللغة -وذلك قوله:«أما الفن الذي يحاكى بواسطة اللغة وحدها نثرًا أو شعرًا، والشعر إما مركبًا من أنواع أو نوعًا واحدًا- فليس له اسم حتى يومنا هذا». أ. هـ.
ونعود فنكرر أن المحاكاة ليست عندنا في باب الأدب أصلًا- حتى القصاص عندنا يوردون الأخبار لا على أنها من نسج الخيال ولكن على أنها حقائق وقعت، فتجاوزا نظرية أرسطو طاليس في الواقع والمحتمل إلى الجزم بان المحتمل الشعري أو الإخباري أو القصصي قد وقع بالفعل.
ولقد كان كاتب هذه الأسطر في زمان الصبا الأول يقرأ قول أبي تمام:
لم لو يقد جحفلًا يوم الوغى لغدا ... من نفسه وحدها في جحفل لجب
فيحسب أن المعتصم أشجع وأفرس من عنترة لأنه وحده جيش عرمرم،