للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على طويلاتها نظر. وأحسب مما رفع قدر عينية متمم جسامة الحدث الذي قيلت فيه. وشتان ما بين أمر الردة وما كان بين بيوتات العرب من تغاور.

الضرب الثاني من الرثاء فيه النفس الديني الذي مع إحساس الفجيعة يعمد إلى التفكر في الموت. منبع هذا الضرب أيضًا من أصول شعبية كما تقدم ذكره. ولكنه عندما اتلأبت به صناعة الشعراء، خالطه ضرب الأمثال وسوق الأخبار والتماس الموعظة في ذلك. وقد مر بك في أول الكتاب أبيات الهذلي:

يا مي إن ترزئي قومًا فقدتهم ... أو تخلسيهم فإن الدهر خلاس

يا مي لن يعجز الأيام ذو حيدٍ ... بمشمخر به الظيان والآس

من فوقه أنسرٌ بيض وأغربة ... وتحته أعنزٌ كلفٌ وأتياس

يا مي لن يعجز الأيام مبترك ... في حومه الموت رزام وفراس

أحمى الصريمة أحدان الرجال له ... صيد ومجترئٌ بالليل هماس

فهنا يضرب الشاعر الأمثال بما يرى أنه رمز للقوة من بقاء كأوابد الوعول وشهب النسور ومعمرات الغربان ومرهوبات الأسود. ونفسٌ من ضرب الأمثال هذا تجده في عينية متمم، وأحسب أن هذا الجمع فيها بين لوعة النائح وحكمة المتفكر الواعظ مع حسرات الموتور هو مما جعلهم يقدمونها. فمن ضربه المثل قوله:

وعشنا بخير في الحياة وقبلنا ... أصاب المنايا رهط كسرى وتبعا

فلما تفرقنا كأني ومالكًا ... لطول اجتماع لم نبت ليلةً معًا

فغن تكن الأيام فرقن بيننا ... فقد بان محمودًا أخي حين ودعا

وكنا كندماني جذيمة حقبةً ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا

أقول وقد طار السنا في ربابه ... وغيثٌ يسح الماء حتى تريعا

سقى الله أرضًا حلها قبر مالك ... ذهاب الغوادي المدجنات فأمرعا

<<  <  ج: ص:  >  >>