وكلاهما متوشحٌ ذا رونقٍ ... عضبًا إذا مس الضريبة يقطع
فتخالسا نفسيهما بنوافذٍ ... كنوافذ العبط التي لا ترقع
وكلاهما قد عاش عيشة ماجدٍ ... وجنى العلاء لو أن شيئًا ينفع
والعظة والتأسي والحكمة غالبة على هذه الابيات، وراجعة بأنفاسها إلى حرارة مع التأمل المر الذي في أولها حيث قال:
سبقوا هوي وأعنقوا لهواهمو ... فتخرموا ولكل جنبٍ مصرع
فغبرت بعدهم بعيش ناصب ... وإخال أني لاحق مستتبع
ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... فإذا المنية أقبلت لا تدفع
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمةٍ تنفع
فالعين بعدهم كأن حداقها ... كحلت بشوكٍ فهي عورٌ لا تدمع
حتى كأني للحوادث مرورةٌ ... بصفا المشرق كل يوم تقرع
وتجلدي للشامتين أريهم ... أني لريب الدهر لا أتضعضع
والنفس راغبة إذ رغبتها ... وإذا ترد إلى قليل تقنع
فأبيات الفارسين فيها أصداء ومجاوبة لما ههنا- حتى قوله «والنفس راغبة إذا رغبتها» فيه مشابهة معنى ومماثلة لقوله: «وكلاهما ق عاش عيشة ماجد» ولا أباعد أن قلت أن كثيرًا مما صور المبارزة بين بطلين أحدهما أثقل مظهرًا من صاحبه كأنه مأخوذ مما ههنا أو له أصل واحد مع ما ههنا- صورة مبارزة سهراب الفارسي مع أبيه رستم وهي من قصص شهنامة وصاغها الشاعر الإنجليزي «ماثيو أرنولد» وما كان أمر أبي ذريب على زمانه مجهولًا.
هذا ورثاء لبيد أخاه من هذا الضرب الذي يخالطه التأمل والتفكير وضرب الأمثال في أمر الموت والتماس العزاء من مظاهر الطبيعة وأحداث الدهر وهيمنة الفناء على جنس البشر وأصناف الحيوان. وقد قدم الدكتور طه حسين رحمه الله