لبيدًا كل التقديم في باب الرثاء حتى أحسب أنه فضله على سائر الجاهليين. ومما استشهد به قصيدته العينية:
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع ... وتبقى الديار بعدنا والمصانع
وقد كنت في أكتاف جار مضنةٍ ... ففارقني جارٌ بأربد نافع
فلا جزعٌ إن فرق الدهر بيننا ... وكل فتًى يومًا به الدهر فاجع
فلا أنا يأتيني طريفٌ بفرحةٍ ... ولا أنا مما أحدث الدهر جازع
وما الناس إلا كالديار وأهلها ... بها يوم حلوها وغدوًا بلا قع
وما للمرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
وما البر إلا مضمراتٌ من التقى ... وما المال إلا معمراتٌ ودائع
وما المال والأهلون إلا ودائع ... ولا بدٌ يومًا أن ترد الودائع
ويمضون أرسالًا وتخلف بعدهم ... كما ضم أخرى التاليات المشايع
وما الناس إلا عاملان فعامل ... يتبر ما يبني وآخر رافع
فمنهم سعيدٌ آخذ بنصيبه ... ومنهم شقيٌّ بالمعيشة قانع
أليس ورائي إن تراخت منيني ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
أخبر أخبار القرون التي مضت ... أدب كأني كلما قمت راكع
فأصبحت مثل السيف غير جفنه ... تقادم عهد القين والنصل قاطع
فلا تبعدن إن المنية موعدٌ عليك فدانٍ للطلوع وطالع
أعاذل ما يدريك إلا تظنيًّا ... إذا ارتحل الفتيان من هو راجع
أحسبه ههنا لا ينكر البعث ولكن يشير إلى ما كان عليه مذهب حياتهم من الحل والترحال ولعمري إن نحو هذا لكثير حدوثه في زماننا الآن. وما أشبه الليلة بالبارحة.
تبكي على إثر الشباب الذي مضى ... ألا إن أخدان الشباب الرعارع