سبيل العظة. وما خلا أبو العلاء من القصد إلى السخرية بما كان شائعًا على زمانه من الولع بالكواكب وإعلاء شأن التنجيم والطوالع.
والضرب الثالث من الرثاء هو ما غلب فيه عنصر الحكمة وكأن عينية لبيد أدخل فيه منها في الضرب الثاني لولا أن كل ذلك مسوق للتسلي والتعزي كما هو جلي من قوله:«ففارقني جارٌ بأربد نافع» ومن قوله «فلا تبعدن أن فرق الدهر بيننا» ومن قوله:
فأصبحت مثل السيف غير جفنه ... تقادم عهد القين والنصل قاطع
فلا تبعدن أن المنية موعد ... عليك فدانٍ للطلوع وطالع
والحزن الشخصي الملابس للحكمة فيها جد عميق كقوله:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادًا بعد إذ هو ساطع
فهذا مضمن تشبيهًا لحال أخيه أربد، فقد كان من رجال الجاهلية شهابًا ثم قد أصابته الصواعق فصار رمادًا- لاشيء، وكان هو وعامر بن الطفيل هما بقتل النبي صلى الله عليه وسلم حين وفدا عليه فصرفهما المولى سبحانه وتعالى عما هما به من غدرٍ وهلكا في طريق عودتهما- عامرٌ بالغدة وأربد بالصاعقة وفي التفسير أن آية الرعد نزلت فيه وهي قوله تعالى:{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}.
وكقوله:
أليس ورائي إن تراخت منيتي ... لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
وقوله:
أتجزع مما أحدث الدهر بالفتى ... وأي كريم لم يصبه القوارع
فهذه الحكمة تتضمن الحزن وبيت الأهلين والودائع غاية في هذا المعنى.