للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والفرق بين هذا الضرب الثالث من الرثاء الذي زعمنا أن عينية لبيد قريبة من الدخول فيه وبين الضرب الثاني الذي من صميمه أشعار هذيل وما سير به على منهاجها، إن الضرب الثاني قوامة لوعة الحزن على الميث ثم يكون التأمل وضرب الأمثال من أجل التعزي، أما هذا الضرب الثالث فقوامه عنصر العظة وتأمل الفنا نفسه، ولولا أن المعري قد أطال من التأبين ومعاني الحزن الذاتي في داليته لكانت كلها أدخل في هذا الباب الثالث- وعلى ما في عينية أبي الطيب التي رثى بها أبا شجاع وجارى بحر الهذلي وقافيته:

الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصيٌّ طيع

أين الذي الهرمان من بنيانه ... ما قومه ما يومه ما المصرع

تتخلف الآثار عن أصحابها ... حينًا ويدركها الفناء فتتبع

من اندفاع النفس وحرارة الروح، فإنها عندي أدخل حقًّا في هذا الضرب الثالث؛ لأن عنصر محض التفكر أقوى فيها من حال الحزن الشخصي لموت أبي شجاع- فجع الدهر بأمثال أبي شجاع وإبقاؤه على كافور -حين غضب هو على كافور- ومن حوله من رخم وبوم، هذا موضع التأمل والعظة والاعتبار.

أيموت مثل أبي شجاع فاتك ... ويعيش حاسده الخصي الأوكع

بأبي الوحيد وجيشه متكاثر ... يبكي ومن شر السلاح الأدمع

الشعر المنبئ بسيطرة الموت وأشعار الوصايا من هذا الضرب الثالث مثل كلمة عبد قيس البرجمي:

أجبيل إن أباك كارب يومه ... فإذا دعيت لا المكارم فاعجل

وكلمة ذي الأصبع:

أأسيد إن مالًا ملكت فسر به سيرًا جميلًا

<<  <  ج: ص:  >  >>