ومن شيطنة جرير في هجائه الفرزدق إذ نفاه عن صعصعة وجعله نمن نسل جبير القين وهو عبد قوله يهزأ به في إحدى طواله:
وبنو قفيرة قد أجابوا نهشلا ... باسم العبودة قبل أن يتصعصعوا
الشاهد قوله «قبل أن يتصعصعوا» فهو موضع شيطنته واستهزائه.
ومن الضرب الثالث في الرثاء قافية الممزق التي قدمنا ذكرها- أو ابن خذاق مع الذي نبهنا عليه من أن أصلها سنخه «شعبي» قديم من أمر الدين وعبادة الموت.
وذرءٌ مما في هذا المعنى القبري الكفني نحسه في يائية عبد يغوث الحارثي التي في المفضليات وهي الثلاثون في ترتيب شرح ابن الأنباري- تأمل قوله:
أحقًّا عباد الله أن لست سامعًا ... نشيد الرعاء المعزبين المتالبا
وقد علمت عرسي مليكة إنني ... أنا الليث معدوًا علي وعاديا
وكأنه بهذا البيت يلقن عرسه كيف تنوح عليه، وهذا داخل في المعنى القبري.
وقد كنت نحار الجزور ومعمل المطي ... وأمضي حيث لا حي ماضيًّا
كأني لم أركب جوادًا ولم أقل ... لخيلي كري نفسي عن رجاليا
ولم اسبأ الزق الروي ولم أقل ... لأيسار صدقٍ أعظموا ضوء ناريا
ولا نزعم ان هذه اليائية الرائعة من الضرب الثالث هي في نفسها، ولكن صنوف الشعر مما تداخل ويأخذ بعضها من بعض، والمعنى القبري الكفني الذي بسطة الممزق وفصله هو المستمد منه ههنا.
وقد افتن شعراء الإسلام في هذا الباب. وأوشك أبو العتاهية أن يجعل شعره كله غناء بالموت والقبر والدود من أمثال «لدوا للموت وابنوا للخراب» وأمثال «لتموتن وإن عمرت ما عمر نوح» والحديث في هذا المجال مما يطول ويقتضي أن