على منهج أينية عدي هذه سار الشعراء من بعد، ومن جياد أخريات الأينيات جميعًا مرثية الرندي أبي البقاء صالح بن شريف لبلاد الأندلس، وهي مشهورة إلا أن إصابتها في غير نفح الطيب كاملة ربما تعسرت، فمن أجل ذلك نوردها ههنا كما رواها، وقد ذكر أن الناس أضافوا إليها بعد موته أسماء ما أخذ النصارى من بلاد الأندلس التي لم تكن قد سقطت في أيديهم على زمانه. والقصيدة سلسلة مطبوعة وصوت فجيعة المصيبة فيها جهير، ومع ميل أسلوبها إلى سذاجة من الخطابة، تحس تحته إحساسًا عميقًا بالهزيمة والضياع، تنبئ عنه إنباءً الأبيات التي في آخرها يستحث بها المرينيين- قال رحمه الله:
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصان ... فلا يغر بطيب العيش إنسان
هي الأمور كما شاهدتها دول ... من سره زمن ساءته أزمان
وهذه الدار لا تبقى على أحدٍ ... ولا يدوم على حال لها شان
يمزق الدهر حتمًا كل سابغةٍ ... إذا نبت مشرفيات وخرصان
المشرفيات السيوف والخرصان الرماح.
وينتضي كل سيف للفناء ولو ... كان ابن ذي يزن والغمد غمدان
ههنا لون من صناعة البديع الأندلسي- أي كل سيف حين يسل ليفني بالقتل، هو أيضًا يسل ليفني، يلحقه التفليل ويدركه ما يدرك كل شيء من عوامل الفناء، وإن يكن ماضيًّا في مضاء سيف بن ذي يزن الذي حرر بلاده من سلطان الحبشة وإن يكن محفوظًا في غمدٍ جيد حصين كقصر غمدان بضم الغين، الذي كان من حصون ملوك اليمن، ويقال إن جامع مدينة صنعاء مبني على بقاياه:
أيبن الملوك ذوو التيجان من يمنٍ ... وأين منهم أكاليلٌ وتيجان
وأين ما شاده شداد في إرمٍ ... وأين ما ساسه في الفرس ساسان