وذلك أنه صار ضحضاحًا ماؤه يترقرق بجريته فوق الحصى.
قواعد كن أركان البلاد فما ... عسى البقاء إذا لم تبق أركان
تبكي الحنيفية البيضاء من أسفٍ ... كما بكى لفراق الإلف هيمان
على ديارٍ من الإسلام خاليةٍ ... قد أقفرت ولها بالكفر عمران
والعمران بالكفر خراب، هذا متضمن- وفيه نظرٌ إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ} الآية- ولذلك جاء بعد هذا قوله:
حيث المساجد قد صارت كنائس ما ... فيهن إلا نواقيسٌ وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدةٌ ... حتى المنابر ترثي وهي عيدان
أخذ هذا من معنى حنين الجذع لفراقه صلى الله عليه وسلم:
يا غافلًا وله في الدهر موعظةٌ ... إن كنت في سنة فالدهر يقظان
وماشيًّا مرحًا يلهيه موطنه ... أبعد حمصٍ تغر المرء أوطان
يعني من كانت أوطانهم لم يستلبها الكفرة حينئذٍ مثل غرناطة:
تلك المصيبة أنست ما تقدمها ... وما لها مع طول الدهر نسيان
وأصل حمص بالشام وهي المذكورة في قول امرئ القيس:
لقد أنكرتني بعلبك وأهلها ... ولابن جريج في قرى حمص أنكرا
وسميت أشبيلية حمص الأندلس على التشبيه والاستئناس لأن أكثر أهل حمص الأولى حلوها أيام الإسلام كانوا يمانيه والألي حلوا الأندلس من اليمانية نزعوا إلى التذكر لوطنهم القديم بهذه التسمية التي أطلقوها على أشبيلية لمقدم أكثرهم من الشام.