الرندي. وما خلا الرندي من نظر إليه غير أن الموضوعين مختلفان لأن الذي أدال من بني الأفطس كان أمر المرابطين وكانوا في جهاد العدو أشد بأسًا وفي الدين أصلب. وليس انفعال الحزن الذي في هذه الرائية بالجارح البالغ البعيد الأغوار من حيث فداحة الرزء وعظم الإحساس بمكروه، لكن شاعره كان ذا ملكة قوية ومقدرة فائقة على صياغة العبارة المفعمة بمعاني الشعر وإيقاعه. وأحسب أن حازمًا في مقصورته رام أن يقتفي نهج ابن عبدون وقد تبع هذا مذهبًا من الإشارات العلمية الأدبية ممتعًا غاية الإمتاع. لا ريب أن ما وقع بالملك الأفطسي قد أنطقه واستجاش حمى بيانه. ولكن قصده إلى الإمتاع بنظم الأحداث والتسلي بذكرها وإلى نوع من المضغ الثقافي المتلذذ بذكرها. وهي طويلة بارعة أوردها صاحب المطرب كلها- ولا بد من ذكر أبيات منها؛ لوقوعها في مجال ما نحن بصدد الحديث عنه من «الأبيات» ولأنها فريدة في بابها وقع نوع من الإيماء إليها في معرض الحديث عن مراثي البسيط وما يخامرها من السخط على القدر أو مذهب التجلد أو مذهب الضعف والجزع قال:
الدهر يفجع بعد العين بالأثر ... فما البكاء على الأشباح والصور
أنهاك أنهاك لا آلوك موعظة ... عن نومة بين ناب الليث والظفر
وهو الدهر، أبدًا يقظان مفترس والناس نيام.
فالدهر دان وإن أبدى مسالمة ... والبيض والسود مثل البيض والسمر
البيض والسود هي الأيام والليالي والبيض والسمر هي السيوف والرماح.
ولا هوادة بين الرأس تأخذه ... أيدي الضراب وبين الصارم الذكر
فلا يغرنك من دنياك نومتها ... فما صناعة عينيها سوى السهر
تأمل فخامة المأتى وروح الروية مع نوع من فرح الشاعر بما يترنم به- وازن بين