ما لليالي، أقال الله عثرتنا ... من الليالي، وخانتها يد الغير
في كل حين لها في كل جارحة ... منا جراح وإن زاغت عن النظر
معنًى من جهة مضمونه المعنوي قليل ملأ به الشاعر فسحة بيتين، ولكن مع هذا نوع تأمل حزين مع ما يلابسه من الصناعة في جملة المعترضة الدعائية لنا في قوله:«أقال الله عثرتنا»، وعلى غوائل الليالي في قوله «وخانتها يد الغير» ما يد الغير إلا يدها- ثم قوله «في كل حين» لاحقٌ بقوله ما لليالي، ومكان الجناس بين جارحة وجراح لا يخفى «وإن زاغت يد النظر» فيه ما يسمى بالإيغال، وهو أن تأتي بإضافة تتوصل بها إلى القافية، والمعنى قد تم من قبل. على أن هذه الإضافة ليست بفرط إسهاب، إذ لا يخلو قوله: وإن زاغت عن النظر من الصناعة لطيفة ورواية الطبعة الباريسية (١)«عن البصر» أجود لإشارتها القرآنية ولعلها هي الصواب.
هوت بدارًا وفلت غرب قاتلة ... وكان عضبًا على الأملاك ذا أثر
أخذ الرندي قوله «دار الزمان على دارًا» من ههنا، وكذلك أخذ قوله:«وينتضي كل سيف للفناء البيت» إذ فيه كالأخذ والإشارة إلى عجحز البيت. وبيت ابن عبدون أملأ بالمعنى، إذ بعد ذكره إهلاك الدهر دارًا وقاتله، نبه إلى أن قاتله كان ملكًا عظيم القدر بعيد السطوة وههنا إعجاب بالإسكندر المقدوني. إلا أن قول الرندي:«وأم كسرى فما آواه إيوان» وتبسيطه العبارة حيث قال: «دار الزمان على دارًا وقاتله» فنظمهما معًا في حقيقة دور الزمان عليهما، كل ذلك أشد إشعارًا بالدمع وفجيعة الحزن.
واسترجعت من بني ساسان ما وهبت ... ولم تدع لبني يونان من أثر
(١) (*) اطلعنا على الباريسية بعد الفراغ من كتابة أكثر هذا الفصل.