ومن ههنا داخل نفس القصيدة انفعال من عاطفة فكرية أثارتها نكبة بني الأفطس وكانت عبرة مما جعل الشاعر يعتبر به فيها، ولكنها أعلق بنفسه وفيها من المتعة ما يكون عادة في متعات عواطف الأدباء وأهل الفكر المتصلة بكبريات قضايا التأريخ والإسلام، متعة مخالطها الشعور بالأسى كما قدمنا تأمل قوله:
ولا رعت لأبي اليقظان صحبته ... ولم تزوده غير الضيح في الغمر
أبو اليقظان هو عمار بن ياسر رضي الله عنه وعن آل ياسر والضيح اللبن الرقيق أو الممزوج بماء والغمر بضم ففتح بوزن اسم سيدنا عمر، هو القدح الصغير وكان آخر ما تزوده عمار أن سقى شربة لبن وقاتل حتى قتل بصفين. وعاطفة ابن عبدون مائلة إلى عمار وأصحاب علي كما ترى. وفي استعماله لفظ الغمر إشارة إلى كلمة أعشى بأهله:«ويكفي شربه الغمر» - ثم قال ابن عبدون يذكر عليًّا كرم الله وجهه:
وأجزرت سيف أشقاها أبا حسن ... وأمكنت من حسين راحتي شمر
هو ابن أبي الجوشن وكان ممن تولى كبر الغدر بالحسين رضي الله عنه.
وليتها إذ فدت عمرًا بخارجةٍ فدت عليًّا بمن شاءت من البشر
وهذا بيت القصيدة. وكأنها كلها ما نظمت إلا من أجله- ثم استمر الشاعر في التعداد وما جاء بعد هذا جارٍ مجرى التعزي فانتقل منه إلى ذكر بني الأفطس- وقد اخترنا كما قدمنا من أبيات القصيدة إذ هي ذات طول:
وأعملت في لطيم الجن حيلتها ... واستوثقت لأبي الذبان ذي البخر
لطيم الجن هو عمرو بن سعيد بن العاص من سادة بني أمية وجباريهم وخطبائهم وهو الذي فتق على الناس نبأ مقتل الحسين إذ كان واليًّا على المدينة وخرج على