للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأمل قول وضاح اليمن وهو أموي (١):

قالت ألا تلجن دارنا ... إن أبانا رجل غائر

قلت فإني طالب غرة ... منه وسيفي صارم باتر

قالت فإن القصر من دونه ... قلت فإني فوقه ظاهر

قالت فإن البحر من دوننا ... قلت فإني سابح ماهر

قالت فحولي إخوة سبعة ... قلت فإني غالب قاهر

قالت فليث رابض بيننا ... قلت فإني أسد عاقر

قالت فإن الله من فوقنا ... قلت فربي راحم غافر

قالت لقد أعييتنا حجة ... فأت إذا ما هجع السامر

فاسقط علينا كسقوط الندى ... ليلة لا ناه ولا زاجر

ولم يشع السريع بين الحجازيين المرققين فحسب، بل تجاوزهم إلى متحضرة الشام كما نجد في شعر الوليد بن يزيد وهو القائل (٢):

ليت هشاما عاش حتى يرى ... مكياله الأوفر قد أترعا

كلنا له الصاع التي كالها ... فما ظلمناه بها أصوعا


(١) الأغاني ٢١٦: ٦ - زعم الدكتور طه حسين في كتابه حديث الأربعاء أن هذه الكلمة عباسية أسلوبها بغدادي حضري. وكأن الدكتور طه حسين يشك في نسبتها إلى العصر الأموي. وفي هذا الشك نظر، فإن كان الدكتور قد ذهب إلى عباسيتها لما يجده من لين لفظها فنحو من ذلك موجود في شعر ابن أبي ربيعة وأضرابه، وإن كان رابه ما رآه من حوارها الحضري، فمثل ذلك لا يخلو منه الشعر الأموي. ثم إن في متن هذه الرائية على وجه الإجمال -أشياء يستبعد الناقد أن تصدر من شاعر عباسي مرقق نحو قوله: "ألا لا تلجن دارنا" وقوله: "قالت فليث رابض بيننا" وقوله: "ليلة لاناه ولا زاجر" فهذا النهج قل أن يجيء في الكلام البغدادي الرقيق. تأمل الإيجاز والبتر في كل ما جاء به من مقول القول، وتأمل رفع "زاجر" بعد "الناهي" على المحل. ولا تقل إن "الناهي" على المحل. ولا تقل إن "الناهي" مرفوعة، فالأغلب الخفض في مثل هذا. قال جرير: [حين
لا حين - سيبويه ١ - ٣٥٨] وأرجح أن لو لم تكن هذه الأبيات قديمة لكان احترب في انتحالها المولدون أمثال أبي نواس وبشار (راجع حديث الأربعاء ٢٣٤: ١).
(٢) الأغاني ١٨: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>