لأن الإغضاء ههنا مفهوم أنه للعيون، فزعم ابن عبدون أن جلالهم تجاوز قدره أن يكون سببًا لإغضاء العيون فقط، ولكن تجاوزها فأغضت القلوب ذوات البصائر التي في الصدور. فلم تبق عين يمكن أن يقال عنها أنها تغضى من هيبتها إلا الأعين البعيدة التي بلغتها مراتب جلالهم وهي أعين النجوم، وههنا نظر إلى قول أبي الطيب:
مراتبٌ صعدت والفكر يتبعها ... فجاز وهو على آثارها الشهبا
أي فتجاوز الفكر النجوم وهو يتبعها لأنها علت فوق النجوم، فمثل هذه المراتب تجعل أعين النجوم أنفسها تغضي حياء.
أين الإباء الذي أرسوا قواعده ... على دعائم من عزٍّ ومن ظفر
أين الوفاء الذي أصفوا شرائعه ... فلم يرد أحد منهم على كدر
كانوا رواسي أرض الله منذ نأوا ... عنها استطارت بمن فيها ولم تقر
الوقف على السكون ثم صيره كسرًا وهو طريق مهيع وبراعة الروى هنا من معرفته بمذهب النحو والعرب في مثل هذا هذه المواضع وكسر القاف على قراءة أبي عمرو ونافع في «وقِرْنَ في بيوتكن».
كانوا مصابيحها فمذ خبوا غبرت ... هذي الخليقة يا الله في شرر
في هذا البيت زحاف جيد وأحسب أن رواية الطبعة الباريسية هيب الصحيحة وفي طبعة المطرب روايته:
كانوا مصابيحها فيها فمنذ خبوا ... هذي الخليقة يا الله في شرر
والوجه الأول أجود، وفيه نظر إلى قول لبيد «يحور رمادَا بعد إذ هو ساطع»