ربما تبادر إلى الذهن أنها إسلامية لورود «راوند» -اسم موضع فيها. وديار إياد لم تكن بعيدة من بلاد الروم والفرس:
خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما مالي براوند كلها ... ولا بخذاقٍ من صديق سواكما
أقيم على قبريكما غير منتهٍ ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
أصب على قبريكما من مدامةٍ ... فإلا تنالاهما ترو جثاكما
ومن زعمك أن قسًّا لم يكن نصرانيًّا احتج بالصدى وبأنه نحر على قبري صاحبيه كالذي هم أن يفعله حسان ولم يفعل عند قبر ربيعة بن مكدم. ومن زعم أنه كان نصرانيًّا احتج باسمه وبهذا التعلق بالخمر إذ هي من طقوس النصارى في بعض ما يتعبدون به وموقفه بعكاظ يشهد بأنه كان من الخلفاء وهؤلاء لم يكونوا نصارى أو يهودًا كما خبرنا القرآن.
ومن صميم الحكمة الرثائية قول امرئ القيس:
أرانا موضعين لأمر غيب ... ونسحر بالطعام وبالشراب
عصافيرٌ وذبانٌ ودودٌ ... وجرأ من ملجحة الذئاب
إلى عرق الثرى وشجت عروقي ... وهذا الموت يسلبني شبابي
ونفسي سوف يسلبها وجرمي ... فيلحقني وشيكًا بالتراب
وما زاد أبو العتاهية في بائيته على هذا الروي على ما ههنا.
عرق الثرى هو آدم عليه السلام. ومن البيات التي تجري مجرى ما قدمنا في تصوير المآل والموت، مع أن مراد الشاعر لم يكن محض رثاء النفس إذا كان هجاء لم يخل من نقد الدولة في هذا الذي جاء به، وهو يزيد بن مفرغ الحميري، يصف غربة الغزاة وما يعروهم من الضياع في ديار جد نائيات:
كم بالجروم وأرض الهند من قدمٍ ... ومن جماجم قومٍ ليتهم قبروا