الطبيعية ولكنه قد جعلت تشمئز منه حضارة هذا القرن العشرين الميلادي مع الذي تجيزه من ضروب التصرفات الدموية. ويوشك هذا الاشمئزاز الحضاري أن ينشأ عنه عما قريب إحساس بالعجز يدعو إلى انفجار وحشي من استبداد الأفراد والمجموعات بطلب ثاراتهم وإدراكها فيعود الأمر جاهليًّا أو شرًّا مما كانت عليه الجاهلية في هذا المضمار.
مما جاء في أخذ الثأر كلمة قيس بن الخطيم المشهورة:
طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر ... لها نفذ لولا الشعاع أضاءها
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما ورءاها
وخبر إدراكه الثأر وإعانة من أعانه فيه مما يشعر بجانب امتزاج العرف وعقيدة الدين عندهم في هذا الباب وذلك أن أبا قيس كانت له يدٌ عند خداش بن عمرو ابن عامر، وأن أم قيس كتمت أمر مقتل أبيه عنه إشفاقًا عليه أن يقتل وهو يطلب بثأر أبيه. ثم إنه عيره بعض الناس وذكره بضياع دم أبيه وجده. فعزم على أمه فأخبرته وأوصته بأن يسعى إلى رجل كانت لأبيه -أبي قيس- يدٌ عنده، فسار حتى أدرك ثأره وذكر ذلك في الأبيات الهمزية -وهي مما اختاره أبو تمام في الحماسة:
ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائمٌ من دونها ما وراءها
يهون علي أن ترد جراحها ... عيون الأواسي إذ حمدت بلاءها
وساعدني فيها ابن عمرو بن عامرٍ ... خداشٌ فأدى نعمةً وأفاءها
فهذا ما أشرنا إليه:
وكنت امرأً لا أسمع الدهر سبّةً ... أسب بها إلا كشفت غطاءها
فإني في الحرب الضروس موكلٌ ... بإقدام نفسٍ ما أريد بقاءها
إذا ما اصطبحت أربعًا خط مئزري ... وأتبعت دلوي في السماح رشاءها