وإنما ذكر الاصطباح لإدراكه الثأر وهو نفس المعنى الذي من أجله قال عمرو بن كلثوم في المعلقة:«ألا هبي بصحنك فاصبحينا» - ثم ذكر الموت لأن الذي صنعه من إدراك الثأر كما هو مجد عرفيٌّ هو كذلك تقرب ديني:
متى يأتي هذا الموت لا تلف حاجةٌ ... لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
ثأرت عديًّا والخطيم فلم أضع ... ولاية أشياخ جعلت إزاءها
وكأن الشاعر الإسلامي الذي قال:«وحاجة من عاش لا تنقضي» يرد على قيس قوله: «متى يأت هذا الموت البيت».
وقالت كبشة أخت عمرو بن معد يكرب تطلب بثأر شقيقها عبد الله، وكان أخوها عمر وهو لأبيها- قد مال إلى الصلح فيما ذكروا:
أرسل عبد الله إذ حان يومه ... إلى قومه لا تعقلوا لهمو دمي
أي لا تقبلوا الدية.
ولا تأخذوا منهم إفالًا وابكرا ... وأترك في بيتٍ بصعدة مظلم
زعم أن قبره سيكون عليه ظلامًا إذ ثأره لم يدرك وصعدة في اليمن.
ودع عنك عمرًا أن عمرا مسالمٌ ... وهل بطن عمرو غير شبرٍ لمطعم
هذا كقول الحطيئة من بعد:«واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي» وهي هنا تريد أن تهيجه ليأخذ بالثأر ولا يخيم عنه إلى عار من الصلح.
فإن أنتم لم تثأروا اتديتمو ... فمشوا بآذان النعام المصلم
أي كونوا صمًّا لا يسمعون؛ لأن الناس سيتحدثون عن قعودكم عن الثأر ويذمونه
ولا تردوا إلا فضول نسائكم ... إذا أرتملت أعقابهن من الدم