للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التصريح بالغزل وصفاته، فاستبدل ذلك أول الأمر بنحو قول بشار:

وتخال ما ضمت عليه ثيابها ذهبًا وعطرا

وكأن تحت لسانها هاروت ينفث فيه سحرا

وقد سبقت الإشارة إلى هذا في أواخر الجزء الثالث. ولكأن الذوق المتنطس في المحافظة سار أميل إلى أن يسمع الوصف من الضرير دون البصير.

وأحسن بشار إذ قال:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة ... والأذن تعشق قبل العين أحيانا

قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم ... الأذن كالعين توفي القلب ما كانا

وقال:

لقد عشقت أذني كلامًا سمعته ... رخيمًا وقلبي للمليحة أعشق

ولو عاينوها لم يلوموا على البكا ... كريمًا سقاه الخمر بدر مخلق

أرى أن مخلقًا هنا معناها معطر عليه الخلوق وهو من عطورهم، والبيت جيد فيه خفيٌّ من السخرية، أي ماذا قصارى أن تريهم أعينهم إلا أن يقولوا شخص في خلقة بدر- واستعمل صنف البديع المسمى الاستخدام في قوله «مخلق» هو عند المبصرين بأعينهم من الخلقة وعنده من الخلوق لأنه كما يسمع يشم ثم الخلوق قرينة مانعة إرادة البدر السماوي:

وكيف تناسي من كأن حديثه ... بأذني وإن غيبت قرطٌ معلق

وكان لبشار قرط بأذنه فقيل له المرعث من أجل ذلك، فهو هنا لا يخلو من فكاهة إذ جعل حديث المحبوب قرطًا هو يغيبه فلا يرى.

<<  <  ج: ص:  >  >>