في هذه الحالة إلى مضاعفة القيود اللفظية على نفسه ليضمن السلامة من الزخرف اللفظي والإكثار من الجناسات والأسجاع، وهذا ما فعله كثير عزة في تائيته المشهورة، وما فعله أبو العلاء المعري في ديوانه الدرعيات، ثم ديوانه الكبير "لزوم ما لا يلزم"- وعندي أن قيود هذا الديوان الثاني كانت في خير الشاعر لا ضروره كما يزعم بعض النقاد.
وفي عصرنا هذا نجد الذخيرة اللغوية قد ضؤلت جدًّا حتى إن محفوظ الأديب لا يزيد على عشرة آلاف من الكلمات أو نحو ذلك. وهذه الضآلة تستدعي نظامًا من التأليف مخالفًا للنظام القديم، إذا أصر أصحابها على ألا يزيلوها بتوسيع ذخائرهم اللغوية. والتأليف الجديد إما أن يتبع طريقة التسميط -أي تنويع القوافي- وإما أن يتبع طريقة الشعر المرسل ويستغني عن القافية. وإما أن يحاول مخرجًا ثالثًا غير هذين.
والتسميط كان مستعملا منذ عهد قديم، إلا أنه كان لا يجيء إلا في الأنواع الدنيا (أعني غير الجادة العالية) من الشعر، مما يقصد فيه إلى مجرد الترنم، ويحسن عليه الرقص. وقد نشأ التسميط في العهود الجاهلية، لأنه لابد أن يكون قد سبق القافية الموحدة، بحسب ما تقتضيه قوانين التطور والتدرج. ويبدو أنه كان في الغالب نوعًا شعبيًا، لا يرقى إلى مرتبة المقصدات والقطع، التي كانت تنشد في المحافل والأسواق والأندية. كما يبدو أنه كان مقصورًا على أنواع قليلة من الأوزان الخفاف، كالرجز ومنهوك المنسرح مثل: