فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي ... فتحسسي أخبارها لي واعلمي
قالت رأيت من الأعادي غرة ... والشاة ممكنة لمن هو مرتمي
وكأنما التفتت بجيد جداية ... رشأ من الغزلان حر أرثم
تأمل عفاف عنترة وأدبه، إذ لم يقل كقول امرئ القيس، جئت وقد نضت لنوم ثيابها، ولكن اختصر الكلام وأشعرنا أنه صار إليها، ثم وصفها وهي تحدثه فذكر جيدًا كأنه جيد جداية، وأنفا عليه النقطة الحمراء.
وإنما ذكر عنترة هذه الشاة -أي الغانية المحجوبة ههنا- وجاريته وهي رسول الغرام ههنا- ثم ارتماءه ومجازفته لما أمكنت الفرصة حسب ما خبرته المرسلة الجاسوسة؛ لأن هذا من مذهب الشعراء، وهذه الميمية قالها ليرى بها من تحدوه أن يقول الشعر أنه على قوله قادر. وليست ميمية عنترة مما أنكره المعاصرون ولا أنكرها الدكتور طه لأنه أثبت شعر مضر، فهذا من كلام عنترة سابق لكلام عمر بن أبي ربيعة.
هذا الخبر المختصر في أبيات عنترة هو عينه الأسطوري في قصة فاطمة ابنة المنذر والمرقش وابنة عجلان التي هي جاسوسة كما هي مطية تحمل إليها الفتيان، وينبغي على هذا أنها كانت جلدة جسيمة من «أمزونيات» النساء. وقد سقنا الخبر بتمامه بمعرض الحديث عن ميمية المرقش. ومدار مجازفة الغرام كله على لقاءٍ محرمٍ وسولٍ ونجاة بعد متعة وإشعارٍ بالفتوة والفروسية. وقد صار هذا بأسره من أدب الفروسية الطروبدوري في ما بعد. ولم يتردد ستندال في سفره عن الغرام من نسبة سائر أدب الفروسية والعشق إلى العرب وأن أصوله في مواسم الحج إذ تلتقي الأفواج على صفاء العبادة وضبط عواطف القلوب عند الهوى والشهوات.
ولعله لم يباعد، من حيث النظر إلى الأصول الجاهلية (١).
(١) () ذكر هذا في كتابه «عن الحب» De L'amour- اسم المؤلف وهو فرنسي ستندال Stendhal- ١٧٨٣ - ١٨٤٢ م.