والديباج إذ كلا هذين أشبه بحال ترفها الآن ولا تخفى الابتسامة والضحك في «نا» من قوله ثيابنا اللهم إلا أن يكون يشير إلى معنى قوله «حلل الملوك لباسنا في أهلنا» واستبعده ويذهب بشطر الفكاهة. وقد عاد فجعل أنفسهما بشرين بعدما كانا بعيرين، ثم جعل شرابهما خمرًا سلافة قرقفا تمزج بأبيض من ماء الغمام. وجعل زادهما لحم حبارى. وجعل لهما صاحبا من الوحش كنمر القتال الكلابي وكان له معاصرًا، يألفهما ويتألفانه- وهو ههنا بازٍ لأن الحبارى يصيدها البازي أو نحوه، وهو قوله:
ولا زاد إلا فضلتان سلافةٌ ... وأبيض من ماء الغمامة قرقف
وأشلاء لحمٍ من حبارى يصيدها ... إذا نحن شئنا صاحبٌ متألف
وقد أعجب كثيرًا مذهب الفرزدق هذا فتمنى كأمنيته إلا أنه لفرط حماقته نسي أن يجعل أنفسهما إنسانين، كأنما يريد أن يزيد على معنى الفرزدق بالتمسك بصورة المسخ البعيري الذي تمنى أن يمسخاه هو ومحبوبته وهي أبياته التي يقول فيها:
أيا ليتنا كنا بعيرين لا نرد ... على منهل ألا نشل ونضرب
وقصيدة جران العود الفائية تنظر بطرف إلى فائية الفرزدق هذه وبطرف إلى رائية عمر ويائية الحسحاسي ومذهب المجازفة الذي عند امرئ القيس وألمع أبو العلاء إلى أخذ جران العود من سحيم في رسالة الغفران حيث قال- يسند القول إلى ابن القارح الوهمي ويصف جرانًا بالإحسان في القريض:«ويقول لبعض القيان اسمعينا قول هذا المحسن إلخ» - وأورد الأبيات الثلاثة:
حملن جران العود حتى وضعنه ... بعلياء فأرجائها الجن تعزف
وقوله حملن ينظر إلى خبر خدر عنيزة كما ينظر إلى بعض خبر ابنة عجلان وجعل الجن