كانوا برود زمانهم فتمزقوا ... فالآن قد لبس الزمان الصوفا
وقال صخر بن عمرو بن الشريد في ما روي من أخبار الخنساء لما سئلت عن طول حدادها على أخيها وأن ذلك مما ورد النهي عنه في الإسلام:
وإن هلكت مزقت خمارها ... واتخذت من شعر صدارها
فمن العجب البحث عن أصل يوناني لهذه الكلمة. ومن قديم مقال العرب:«وما بل بحرٌ صوفة» فهل نحسب أنهم كانوا يجزون صوفة فيختبرون بها البحر أم هذا يشير إلى ثياب الصوف ما رق منها وما خشن. قال امرؤ القيس:
«وأكرعه وشي البرود من الخال»
وفي كتاب الزبير بن بكار عن عباد قريش وخاصة عباد قومه بني أسد منهم عجائب. وفي القرآن من آيات العبادة الدالة على التجرد كثير، ما كان ناشئًا من خوف الله وما كان ناشئًا من حب الله سبحانه وتعالى. قال تعالي:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران]. والعجب لمن يقرأ خبر الوحي ثم يحاول أن يرد أمر الروحانية في التفكير الإسلامي إلى الهند وإلى اليونان.
وكأن المسلمين عند بعض من يأخذ بأطراف هذا الموضوع لم يعرفوا شيئًا من الهيام بالملأ الأعلى من قبل الحلاج، ولعله رحمه الله ما جرت إليه القتل والصلب والتحريق إلا السياسة وجذبه من بعض مطالبها بحبال. وقد كان زمانه زمان كثير من ذلك- كالقرامطة وصاحب الزنج وهو إن منزلة الخلافة بعد مقتل المتوكل أو الأمين. شعر عروة بن أذينة روحاني النسيب مثل كلمته:
إن التي زعمت فؤادك ملها ... خلقت هواك كما خلقت هوى لها
وفيها قوله:
وإذا وجدت لها بوادر سلوة ... شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها