للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا والحديث في أبواب الغزل والنسيب ذو سعة.

على أنه مما ينبغي التنبيه إليه مكان جريرٍ -لا في هذا الباب الرابع من الغزل، فإن تناوله إياه أكثر دخوله في باب إقذاع الهجاء، ولكن في باب الهوى والصبابات.

وباب الهوى والصبابات أكثره فرع من حنين النسيب الجاهلي الطلي وهو الضرب الأول. وفي الصدر الأول الإسلامي غمر روحٌ من التعبد والتقوى والزهد والتصوف كان له -فيما نعتقد أثر عظيم- في تقوية هذا الضرب الأول والارتفاع به إلى مراق جعلته أعظم أصناف النسيب وأبقاها أثرًا وتأثيرًا في شعر العرب وشعر الأمم التي أخذت منهم. ولسنا نرد أن نفيض الآن في مناقشة أسطورة القرن الرابع الهجري أنه كان ذروة التفكير والحضارة الإسلامية، فالذي نراه أنه على جودة ما كان فيه من إنتاج إنما كان بداية الضعف -إن كان ثم حقًّا ضعف. ومقالة من قالوا إن التصوف «الإسلامي» نشأ بأخرة فيها عندنا شك كبير ونضع الإسلامي بين قوسين لأنكارناها إذ كل تصوف لهو إسلامي بالضرورة فوصفه بالإسلامي زيادة لا حاجة بالمعنى إليها. وذكر لفظ التصوف في كتب الجاحظ يدل على قدم اللفظ. والجاحظ من رجال القرن الثاني وطال عمره إلى الثالث {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا} والتبويب بحسب المئين من السنوات أمر فهرسة لا حقيقة واقعة، فالدولة الأموية انتهت سنة ١٣٢ هـ وبدأت سنة ٤٠ هـ فليس هذا بجاعلها تمثل القرن الأول دون القرن الثاني ولكن لها في أحدهما الثلثان وفي الآخر الثلث، وللدول من المرانة وقابلية التغير الجوهري أكثر مما للأفراد فالجاحظ الذي ولد قبل أبي نواس (فهو ينص على أنه أسن منه) يجب أن ينسب في أمر المعاصرة إلى جيل أبي نواس. وقد عاش مع ذكراه بعد أن مضت السنون على وفاته والمختار له ولشعراء جيله أكثر وردوا عند الجاحظ من شعر الجيل الذي ينتمي إلى أوائل المائة الثالثة وأواخر الثانية. وقال أبو تمام في بعض شعره وهو مما تناوله النقاد:

<<  <  ج: ص:  >  >>