للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول: «ألقت لدي الخمارا» - إذ حل النطاق «أجل من التحرش» كما في المثل:

حبذا رجعها إليها يديها ... في يدي درعها تحل الإزارا

فلو كان الأمر جنسًا ووطئًا ما كان لتأمله رجع اليدين كبير معنى، ولشغلته شهوة الحيوان عن نحو هذا التأمل الجمالي.

ثم قالت وبان ضوءٌ من الصبـ ... ـح منير للناظرين أنارا

يعني الفجر الذي يليه صوت المؤذن:

يابن عمي فدتك نفسي إني ... أتقي كاشحًا إذا قال جارا

والحور مجاوزة الحد فهي يخشى أن يقال عنها بلسان الحسد ما لم تفعله فتأمل. وهذ أسلوب المحادثة المؤنثة الذي يحسن ابن أبي ربيعة حكايته. وما أدري لماذا لم يفطن أصحاب النظريات العرقية إلى ما كان يجري فيه من دم حبشي كما قد فطنوا إلى يونانية ابن الرومي أم هان أمر «الحبشية» عندهم -نعني به النسبة إلى الحبشة- وليس لعمري بالأمر الهين. وزعمنا أن فيه دمًا حبشيًا لورود الخبر بذلك أن أمه كانت حبشية وذكروا غير ذلك مما ليس عنه ببعيد حقًّا (١).

وبشار في الرائيتين ممن جرى على مذهب هذا الباب الرابع من الغزل، على أنه نظر -إن جاز أن يقال نظر لمكان ضرره كما لا يخفى- نظرًا شديدًا إلى شيطنة الأعشى، قوله (وهو من لعب امرئ القيس):

أمتي بدد هذا لعبي ... ووشاحي حله حتى انتثر

فيه صدى من:

فثنيت جيد غريرة ... ولمست بطن حقابها


(١) () نسب أبو الفرج الأول إلى عمر بن شبة وذكر ورجح ذلك أن اسم أمه مجد أم ولد من أصل حميري وقع عليها سباء. وحمير من العرب سادة فهل كانت خلاسية؟ ولعمر ابن سماه جوانا ومعنى الواد في هذا لا يخفى وله بنت سماها أمة الواحد وهذا مما تجوز التسمية به ولا يخلو بعد من معنى بعض الدفاع.

<<  <  ج: ص:  >  >>