ولقد حبست بها المطي فلم يكن ... إلا السلام ووكف عين تدمع
فسقاك حيث حللت غير فقيدة ... هزج الرواح وديمةٌ لا تقلع
قوله غير فقيدة احتراس من السقيا التي تكون في الرثاء. على أنه ههنا إنما يرثى قطعة من نفسه وهي الشباب والمحبوبة رمز له. وتعداد المواضع مما ذكرنا من قبل أنه يقوي معنى الحنين.
ومما يشهد لنسيب جرير أنه كان آخذًا بقلوب أهل عصره ما رووا من أن سكينة بنت الحسين رضي الله عنهما أخذت عليه قوله:
طرقتك صائدة القلوب وليس ذا ... وقت الزيارة فارجعي بسلام
ولم تجهل سكينة أن جريرًا إنما يذكر طيفًا -وإنه طرد الطيف لأنه مقبل على قتال والعرب لا تقرب النساء إذا أقدمت على الحرب، ولكن رأت وجه مأخذ عليه فأخذته. وهذا من النقد كأخذهم على جميل قوله:«رمى الله في عيني بثينة بالقذى» وعلى عمر قوله «من نحو بلدتها ناع فينعاها» ومخرج جرير أقرب مخرجهما.
ومما سار لجرير في معاني الحنين والنسيب قوله:
تمرون الديار ولم تعوجوا .... كلامكم علي إذن حرام
وقوله:
أتذكر إذ تودعنا سليمى ... بفرع بشامة سقي البشام
وقوله:
يا أم ناحية السلام عليكم ... قبل الرحيل وقبل عذل العذل
لو كنت أعلم أن آخر عهدكم ... يوم الرحيل فعلت ما لم أفعل