والبوصيري والبرعي كلاهما هيامهما ووجدهما منبعث من محبة رسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كنا من قبل قرنا اسم ذي الرمة بجرير، في هذا الباب أنه أبعد فيه من عمر وجميل وأدنى إلى جرير وقد كان تأثيره على الشعراء بعده عظيمًا. ولقد نسب الجاحظ كثيرًا من إبداع أهل البديع إلى العتابي، أنه أصلٌ له. والعتابي من عصر الجاحظ. وذو الرمة سابق في ميدان التأمل والتعمق في التصوير والاستعارة والمزج بين عناصر الجمال في البشر وفي الطبيعة. وقد كان اقتداء أبي تمام به وأخذه منه كثيرًا. وكأن قوله:
ما ربع مية معمورًا يطيف به ... غيلان أبهى ربا من ربعها الخرب
يشير إلى ذروٍ من هذا.
ويعجبني قول أبي حية النميري وفيه صناعة ذات روح من سذاجة:
جرى يوم رحنا عامدين لأرضنا ... سنيح فقال القوم مر سنيح
السنيح ما ولاك ميامنه فبعضهم يتفاءل به وبعضهم يتشاءم.
لعيناك يوم البين أسرع وأكفأ ... من الفنن الممطور وهو مروح
وقال مروان بن أبي حفصة، وكان من فحول الشعور، فأرخ للنسيب تأريخًا أدبيًّا منظومًا قريبًا في البراعة مما صنع الفرزدق في اللامية حيث ذكر المهلهل وذا القروح والأوائل من الفحول:
إن الغواني طالما قتلننا ... بعيونهن ولا يدين قتيلًا
من كل آنسة كأن حجالها ... ضمن أحور في الكناس كحيلا