ومن أكثر الشعراء صناعة في باب الغرام الشريف الرضي ومعانيه وألفاظه واستعاراته أخذٌ صلتٌ من الشعراء الذين سبقوه في غير ما زيادة توجب أن ينسب من أجلها إليه جودة توليد أو إبداع. نعم له صياغة تملأ الفم وتقرع جانب السمع، ولكنها لا تصل حقًّا إلى القلب- تأمل قوله في كلمة له مطلعها:
يا ليلة السفح هلا عدت ثانية سقى زمانك هطال من الديم
السقيا كثيرة ولكنه ههنا نفس على ابن المعتز قوله:
سقى المطيرة ذات الظل والشجر ... ودير عبدون هطال من المطر
فحاكاه وجاراه وباراه ثم صار بعد مجاراة ذلك الخليفة البائس إلى مجاراة عبد بني الحسحاس في نهج لفق فيه أصنافًا من امرئ القيس وعمر بن أبي ربيعة وأبي الطيب المتنبي ولزم مع ذلك لإحساسه بمنصبه وحسبه ونسبه ونقابته للأشراف دعوى- بل إلحاحًا على دعوى العفاف، ومع تكرار للفظه قارب بذلك، بل ولج ولوجًا في السآمة والإملال. قال:
وأمست الريح كالغيري تجاذبنا ... على الكثيب فضول الريط واللمم
يشي بنا الطيب أحيانًا وآونة ... يضيئنا البرق مجتازًا إلى أضم
بتنا ضجيعين في ثوبي عفا وتقى ... يلفنا الشوق من قرن إلى قدم
عفا أي عفاف حذف الفاء على طريقة «بسبا الكتان» و «درس المنا بمتالع فأبان» ولو قال «عفاف تقي» كان وجهًا صحيحًا ولعله كذلك وأفسده الناسخ أو الطابع والثوبان ثوباهما نسبهما إلى عفاف أصله التقي «لا الخوف من تبعاتها» كما قال أبو الطيب والمعنى منظور أو لعله منظور فيه إليه.
وبات بارق ذاك الثغر يوضح لي ... مواقع اللثم في داج من الظلم
وبيننا عفة بايعتها بيدي ... على الوفاء لها والرعي للذمم