قريش ولا أشعر بني عبد مناف ولا أشعر بني هاشم -عمر بن أبي ربيعة وابن قيس الرقيات والوليد بن يزيد وابن المعتز- هؤلاء أشعر منه بلا ريب وشأوهم من شأوه بعيد. مع هذا قد قال عنه بعض من ترجموا له أنه أشعر قريش، مما ينبئ أنه عسى أن يكون ذلك من بعض ما كان يظن هو إنه يتقدم به على غيره والله تعالى أعلم.
مهما يكن من شيء، فإن ملكة الشريف في حاق الشعر كانت محدودة. كان ذا حظ من جزالة اللفظ وقرعه الأسماع. ولكنه ما كان ليدنو بحال من منزلة البحتري وأبي تمام وأبي الطيب. على ما لا ريب فيه عندي، إنه كان يرى في نفسه إنه مثلهم. وقد كان كثير المحاكاة لأبي الطيب. وقد عرف أبو الطيب بجودة تغزله في البدويات وقد عقد الثعالبي فصلًا عن أبي الطيب في يتيمته ونبه تنبيهًا على أن هذا كان من تبريزه وذكر من ذلك أمثلة حسانًا. حجازيات الشريف كانت محاكاة لهذا التبدي في غزل أبي الطيب. ولعله والله أعلم رام أن يزيد عليه بإدخال عناصر من عمر بن أبي ربيعة وسحيم. وقد كان أبو الطيب يغرف من بحر نفسه وانفعالات قلبه، فإذا أخذ من شاعر شيئًا جاء بذلك على سبيل الاستعانة فكان ما يسميه النقاد توليدًا وابتكارًا، ومثل هذا الصنع الأصيل لا يبرز عليه أحد مهما يجتهد بتلفيق لمذاهب المحسنين ومحاكاة للمبدعين. وهذا ما صنعه الشريف. وذلك له دأب يا للأسف، من شواهد ذلك مثلًا والشيء بالشيء يذكر محاكاته للبحتري في نعت الذئب، وأكل من لحم الذئب كما فعل البحتري وما أشك أن البحتري قال عن تجربة منه أو من غيره عن قرب معرفة أو ملابسة، وما صدر الشريف إلا عن محاكاة ما قرأ مع حرص على مجاراة البحتري وقصد إلى ما عسى أن يظن أنه تفوق عليه وذلك قوله:
وعاري الشوى والمنكبين من الطوى ... أتيح له بالليل عاري الأشاجع
أغيبر مقطوع من الليل ثوبه ... أنيس بأطراف البلاد البلاقع