للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله «أصاح ترى برقًا أريك وميضه في حبي مكلل» منه، هذا وصف صريح، وقوله منه «كلمع اليدين» تشبيه يجوز أن يكون فيه وصف ضمني لحركة اليدين المشار إليهما في قوله: «تصد وتبدي البيت» أو أيما يدين، ويجوز أن يكون من باب التوضيح لحركة البرق، فيكون بذلك أقرب إلى الوصف الصريح للبرق لا الوصف الضمني لحركة اليدين والأصابع.

وقول عدي بن الرقاع العاملي:

تزجي أغن كأن إبرة روقه ... قلمٌ أصاب من الدواة مدادها

فيه وصف صريح لروق الشادن حين برز كأنه بطرفه المحدد الصغير إبرة وكأنه حرف قلم أصاب سواد مداد. ثم هو بلا ريب وصف ضمني للقلم يوشك لقوة حيويته أن يكون صريحًا ويشعر بأن المقصود بالوصف هو القلم لا قرن الظبية.

وقول ذي الرمة:

كأن عمود الفجر جيدٌ ولبةٌ ... وراء الدجى من حرة اللون حاسر

هل هو صريح في نعت طلوع الفجر أو ضمني كصريح في نعت امرأة حسناء سافرة، جميلة واضحة الوجه، بادية خصل شعرها من الخمار الحاسر؟ هذه الصورة الرائعة شديدة الشبه برسم جيوكندا الذي لليوناردودا فنشي (١) ولو كان سبق زمان غيلان ما شككنا أن غيلان منه أخذ، كما قدمنا ذكره من تأثر القدماء في تصويرهم بمرأى ما رأوا من التماثيل وقد ذكروا ذلك في أشعارهم كقول امرئ القيس:

كأن دمى سقفٍ على ظهر مرمرٍ .... كسا مزبد الساجوم وشيًّا مصورا


(١) () يذكر أن فناني القرن الثامن عشر كانوا مما يستعينون في تصويرهم بمنظومة The Seasons أي الفصول لتومسون James Thomson ١٧٠٠ - ١٧٤٨ م يا ترى هل كانوا أول الفنانين استعانة بالشعر؟ ثم هذه المنظومة في الفصول، ألا تنظر لما كان ينظمه شعراء العرب من وصف في هذا المجرى؟

<<  <  ج: ص:  >  >>