فأخذوا عليه أن الحيتان لا تصطخب. ولغيلان في هذا البيت مخارج أقواها أن العين مصطخبة بنقيق الضفادع وحركة تضارب أعالي الماء وفيها الحيتان والضفادع أو الضفادع هي المصطخبة والفعل عائد عليها لا على الحيتان أو بعض الحيتان تثب ثم تعود إلى جوف الماء فهذا اصطخابها. ومما يرجح الوجه الأول عندي سياق الكلام وطريقة غيلان في اختيار الألفاظ المتشابهة الدلالة وجرس الحروف- عينًا مطحلبة طامية تصطخب فيها الضفادع والحيتان.
ولعلك ألا تباعد إن حسبت أن ابن الرومي نظر من طرفٍ خفي إلى قول زهير «ترى في مائه نطقا» في أبياته التي باهى بها، حيث قال:«في صفحة الماء يرمي فيه الحجر» فهذا بعينه قول زهير: «ترى في مائه نطقا» بضم النون والطاء ونطق الماء طرائقه ودوائره. وقد يستطرد بوصف الروضة والحديقة في نعت الظعائن- من ذلك ابتسامة سمية التي نعتها الحادرة:
وإذا تنازعك الحديث رأيتها ... حسنًا تبسمها لذيذ المكرع
بغريض سارية أدرته الصبا ... من ماء أسجر طيب المستنقع
ظلم البطاح له انهلال حريصةٍ ... فصفا النطاف له بعيد المقلع
فقد وصف ههنا انهمال المطر وصفاء الغدران- ثم خلص من ذلك إلى نعت المنظر الطبيعي كله.
لعب السيول به فأصبح ماؤه ... غللًا تقطع في أصول الخروع
أي في أصول ما لان ونعم من جديد النبات. وليس المراد هذا الخروع الذي يستخرج منه زيت الخروع أو ضربًا معينًا من النبات اسمه الخروع.
وقال عنترة:
وكأن فارة تاجرٍ بقسيمةٍ ... سبقت عوارضها إليك من الفم