أو روضةً أنفًا تضمن نبتها ... غيثٌ قليل الدمن ليس بمعلم
أي لا دمن في طينه بسبب تعاقب الناس وأنعامهم عليه إذ روضته أنف لم يرعها أحد.
جادت عليها كل بكرٍ حرةٍ ... فتركن كل قرارةٍ كالدرهم
هذا تشبيه جيد. وإليه نظر أبو الطيب في قوله «دنانيرًا تفر من البنان».
سحًّا وتسكابًا فكل عشيةٍ ... يجري عليها الماء لم يتصرم
وخلا الذباب بها فليس ببارحٍ ... غردًا كفعل الشارب المترنم
هزجًا يحك ذراعه بذراعه قدح المكب على الزناد الأجذم
وهل رأى عنترة أجذم مكبًّا على الزناد يفعل هكذا؟ أغلب الظن أن هذه صورة خيالية توهمها الشاعر توهمًا- المكب على الزناد الأجذم هو هذا الذباب المترنم نفسه. وهو أيضًا الشارب المترنم يدلك على ذلك أن الشاعر يشبه فعله كله بفعل الشارب ذو النشوة، نشوته من ن الروضة الأنف وعطرها وخصبها ودراهم غدرانها. ما أحذق عنترة حيث وصف الشراب فقال:
ولقد شربت من المدامة بعدما ... ركد الهواجر بالمشوف المعلم
والمشوف المعلم هو دينار الذهب.
بزجاجة صفراء ذات أسرة ... قرنت بأزهر في الشمال مفدم
فالدرهم المشبهة به قرارة الماء الصافي له صورة ومعنى مقابلان له في الدينار المنقوش المجلو. والشارب المنتشي ذو الشمائل الكريمة يقابله الذباب الهزج المنتشي القادح لزناد من السرور وهو أجذم لقصر ذراعيه كما ترى. الصورة مخترعةٌ