وقول الخنساء:
وما عجولٌ على بوٍ تطيف به ... لها حنينان إعلان وإسرار
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت ... فإنما هي إقبالٌ وإدبار
يومًا بأوجع مني يوم فارقني ... صخر وللدهر إحلاء وإمرار
وقد كان أبو الطيب رحمه الله بأسرار الشعر عليمًا.
وقل شيء مما عرفته العرب أو توهمته لم تصفه. يدلك على ذلك ما استشهد به أبو عثمان في كتاب الحيوان، هذا على سبيل التمثيل، وصف حيوانهم كباره وصغاره أنعامه ودوابه وسباعه. ويوشك أبو زبيد الطائي أن يكون قد نظم ديوانًا في نعت الأسد كقوله:
فباتوا يدلجون وبات يسري ... بصير بالدجى هادٍ هموس (١)
على أن العتاق من المطايا ... أحسن به فهن إليهن شوس
فلما أن رآهم قد تدانوا ... أتاهم وسط رحلهم يميس
فثار الزاجرون فزاد منهم ... تقرابا وصادفه جبيس
فخر السيف واختلجت يداه ... وكان بنفسه فديت نفوس
ومن التشبيه الطويل في هذا الباب قول كعب بن زهير:
فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل إنك منسوب ومسئول
من ضيغمٍ بضراء الأرض مسكنه ... ببطن عثر غيلٌ دونه غيل
يغدو فيلحم ضرغامين عيشهما ... لحمٌ من القوم معقورٌ خراديل
منه تظل سباع الجو خائفةً ... ولا تمشي بواديه الأراجيل
ولا يزال بواديه أخو ثقة ... مضرج البز والدرسان مأكول
(١) () معجم الأدباء ج ١٠ ص ١٩٨ - ٢٠٠. رواية «تقرابًا» في رسالة الغفران.